لماذا تغيب قصص النساء وأسماؤهن عندما تغتالهن أيدي الغدر الذكوري، قالت إحدى الزميلات أن علينا أن نؤنسن الضحايا وألا نذكرهن كأرقام، أن نذكر أسمائهن وقصصهن، لكن هذه الأسماء والقصص غير متاحة، الضحية زوجة أو ابنة أو أخت أو امرأة ما، لا هوية لها ولا ملامح، خبر عن جريمة قام بها رجل ما، القصة في الإعلام هي قصته، قصة غضبه وظنونه، قصة حالته النفسية وسوابقه الجنائية وحالة وعيه، الضحية فيها مجرد مفعول به، كومبارس في مشهدٍ يعدّ الجاني هو الشخصية الرئيسية فيه

حال النساء المغدورات هو حال جميع المهمشين والمهمشات في العالم، ضحايا دون هوية، فلا يجب أن تشعر كقارئ ومتلقٍ للخبر أن هذه الضحية تشبهك، تساويك في القيمة وتشعر بالألم مثلك تماماً، ترغب في الحياة مثلك تماماً، بدلاً من ذلك عليك أن ترى القتل قدرها المحتوم، كأنها وجدت لتُقتَل، ليقوم هذا الرجل تحديداً بقتلها في ساعة غضب.

يرتبط هذا التغييب عميقاً بالعار، فالعار عار الضحية وذنبها وعار جميع النساء من حولها، فهي لا بُدَّ تستحقّ أن تُقتَل وإن لم تستحق (فالناس رح تسأل وتقول)، ستلوك الألسنة نساء عائلتها حتى بنت البنت، لذا يجب أن تختفي هذه المرأة مرةً واحدةً وإلى الأبد كأنها لم تكُن، إن أمر وجودها هنا فعلياً ورمزياً هو في أيدي قاتليها، إذ أننا في منظومةٍ لا تسمحُ فقط بالاغتيال الفعليّ، بل الاغتيال الرمزي أيضاً، فكما يمكن لرجلٍ ما أن يقرر إذا ما كانت حياتكِ ستستمر أم لا، يمكنه أن يقرر إذا ما كان اسمك سيُذكَر أم لا، أن يلاحق كل من يذكرنه، كل من يحملن القصة، اجتماعياً بفعل العشيرة وقانونياً تحت مسمى التشهير
لذا فقد نسمع أسماء النساء فقط حينما لا نرضى عن قاتيلهن أو حين يُقتَلنَ في الفضاء العام باستثناء ذلك تُذكَرُ في أحسن الأحوال حروف أسمائهن الأولى.

هذا العار لا يرافق شهيدات عنف الاحتلال مثلاً، تُذكَرُ أسمائهنّ وقصصهنّ عالياً لأن المجتمع يعي فجأةً ضرورة أنسنةِ الضحايا، يرفض أن يسمح بعنف المحو الرمزي، يرفض أن يملك القاتل هنا حق ضحاياه في الوجود، ما يعني أنه بقبوله لتغييب شهيدات الغدر الذكوري إنما يهادن مع المعنِّف ويوافق على جريمته.
كذلك تصبح جرائم قتل النساء نتيجة العنف المجتمعي، أرواحٌ تُزهَقُ على الهامش، فالقيمة ليست للحياة نفسها إنما للقاتل وعلاقتنا معه فيقل ذكرها في الإعلام ويتضاءل تفاعل المجتمع معها أمام كثافة عنف الاحتلال، نصبح مطالبات/ين بالتطبيع مع العنف الاجتماعي لنظهر أمام أنفسنا بصورة الطهرانية كأننا إذا ما اعترفنا بعيوبنا صرنا نستحق الاستعمار وعنفه.

نتيجةً لما سبق ، رصدنا في الإعلام منذ الأول من كانون الثاني وحتى الحادي عشر من آذار خمس جرائم وحالة انتحار راحت ضحيتها طفلتان وثلاث نساء ورجل فقدناهنّ وفقدناه ضحية للعنف الذكوري وتوزعت كالتالي:
الثاني عشر من كانون الثاني، عُثِر على طفلة مصابة مضرّجة بالدم في الموقر- عمان
الثالث من شباط، طفلة قُتِلت خنقاً على يد والدها لقهر طليقته (والدتها) في سحاب – عمان
الرابع والعشرون من شباط امرأة قُتِلَت طعناً على يد زوجها في الرمثا – إربد
الخامس والعشرون من شباط فتاة تنتحر شنقاً في مخيم جرش – جرش
السادس والعشرون من شباط تعرضت إمرأة وشقيقها لإطلاق النار على يد زوجها في عمان
الحادي عشر من آذار امرأة تُقتَل طعناً على يد زوجها في جنوب عمان

في النهاية نعود ونشدد على أن غياب الجرائم عن الإعلام ليس دليلاً على عدم حدوثها بل يعكس بشكل أساسي مدى اهتمام الإعلام بتغطيتها، وبوجود نمط من الإعلام يعتمد على تفاعل الجمهور فهو يعكس أيضاً اهتمام الجمهور بالاطلاع عليها والتفاعل معها في مرحلة ما من الزمن تبعاً للأحداث السياسية والاجتماعية المرافقة لتلك المرحلة.