Home 5 الإنتاج المعرفي 5 للنسـاء اللواتي يعانينَ منّ أمراضٍ نفسية

read in English

للنسـاء اللواتي يعانينَ منّ أمراضٍ نفسية

Mar 7, 2025

* تنــويه: يحتوي المحتوى التالي على أفكار انتحارية، إذا شعرتِ بأي تأثير سلبي، نرجو منك التوقف عن القراءة واللجوء لأشخاص تثقين بهم 

لا أعرف إن كانت الكلمات مُساعدةً جيّدةً لي بتعبيرٍ ما أودُ قوله، لكنني سآذنُ لنفسي بالكتابة دونَ التفكيرِ كثيرًا، فنحنُ وحيداتٌ حينما نُفكّر، ووحيداتٌ مٌعظمَ الوقت حتى لو كانَت حياتنا مليئةً بالناس.

هذا العالمُ ليسَ سهلًا، نتمسكُ بهِ رُغمَ صعوبةِ العيشِ فيه، لا أدري لِمَ! الأملُ يكونُ لعينًا في بعض المرات، أو ربما نحنُ نُحبُ المُراهنة، واسمحنَ لي هُنا أن أقولَ “نحن” لا “أنا”، فعلى اختلافِ آلامنا، أعرفُ أننا سقطنا في جحيمٍ أبديٍّ من السواد، ثُقبٍ أسودٍ امتصنا. نغدو سعيداتٍ ضاحكاتٍ في لحظة، ومكتئباتٍ منطفئاتٍ في لحظات. 

إلى رفيقتي في هذا العالم، التي لا أعرفها..

لا يُصدقُ الآخرونَ أنني مُصابةٌ بمرضيّ؛ ثنائيّ القُطب والقلق الحاد، ينظرونَ لي فيجدونَ فتاةً مُجدَّةً في عملها، وقويّةً، ومحبوبةً، ولديها ضحكةٌ جميلةٌ تجذبُ الآخرينَ لها فتغدوا أولَ انطباعٍ يُترَكُ لديهم، لكنهم لا يعرفون عن الساعات التي قضيتها وحيدةً، جيئةً وذهابًا على الجسر في ليلةٍ باردةً بعدَ يومٍ من عيدِ ميلادي الحادي والعشرين أُفكّر بالانتحار، ولا يعرفونَ عن اللحظةِ التي تناولتُ فيها كميّاتٍ من الأدويةِ ونجوتُ في المشفى، ولن يعرفوا عن عدد المراتِ التي فكّرتُ فيها بالموت، وشدّني إليه، ولا عن الرحلةِ التي كنتُ سعيدةً بها مع أصدقائي قبلَ 3 أشهر وكانَ البحرُ يشدني لأقفزَ إليه، ولم أقفز. بكيتُ كثيرًا ولم أمت، وما أزالُ أعيشُ حتى الآن.

أكادُ أجزمُ أنكِ مررتٍ بتجاربَ مُشابهة، أقسى قليلًا أو أشدَّ ألمًا -رُغم أنني لا أُحبُ المقارنةَ بينَ الآلام-، ورُبما أنتِ مثلي لا تعرفينَ كيفَ تُحبينَ نفسك، ولا كيفَ تُجيبينَ على سؤال “ما هو أكثرُ شيءٍ تُحبينه؟” أو “افعلِ أكثر شيءٍ تُحبينه حينَ تُفكرينَ بالانتحار”.

أنا لا أعرف ما الذي يبقيني على قيد الحياة، أُحبُ عائلتي كثيرًا، قطط العائلة؛ بيلا وبندق، أُحبُ الكتابة، أُحبُ ألعاب الفيديو، وأُحب القراءة، أُحب الصحافة، وأصدقائي، لكنَّ هذا الحُبَّ لم يكن كافيًا لإبقائي على قيد الحياة، لم ينجدني، أعطاني القوة، لكنَّ الأفكار لم تُغادرني.

ذاتَ مرة، وقعتُ بالحُب، وقاومتُ الاكتئاب، فكّرتُ بأنَّ الحُبَّ مثلُ الهيروين، يساعدنا على تجاوز الاكتئاب، ولسخرية القدر كانَ الحُبُ ذاته هو الذي أعادني للاكتئاب بعد الانفصال، لم أُكسر بصراحة، كنتُ قد كُسرتُ كثيرًا من قَبل، لكنني تعلّمت أنَّ الحُبَ منوطٌ بشخصٍ آخر ولن يُنجينا من الاكتئاب. قد يتحكمُ بأمزجتنا، لكنه لن ينجينا. – رُبما- لو كنا مع الأشخاص المُناسبينَ سننجو، يمكنُ للحبِ أن يجعلنا أقوى، ولهذا السبب يُخبروننا – عادةً- أن نُحبَ أنفسنا.

أعتقد أنَّ المشكلة الأولى تكمن في تقبّل وجودنا بهذا العالَم، وأننا بتنا أكبرَ وأنضجَ من أن نبكي على عدم اختيارنا لهذه الحياة، لكن طالما نحنُ حيّات إذًا علينا أن نقاوم، نقاومَ العالم وتعبنا منه، أن نتقبلَ فكرةَ أننا لسنا “نكدات”، ولا “سوداويّات”، وأنَّ هذا المرضَ بات يُشكّل جُزءً من شخصّياتنا، تَلَبَّسنا فأصبح الصديقَ الأقربَ لنا.

أعرفُ أنَّ كُلَّ كلامي قد لا يُساوي شيئًا أمام آلامك، لكني أرجو أن تحاولي العيش، أن تستمري بالمقاومة وأن تلتقي طُرُقنا في يومٍ ما. قلبي الذي لا يعرفك، يحتضنُ قلبك ويأمل أن تحافظي على صحتكِ النفسيّة، وأن تقطعي أيَّ علاقةٍ قد تؤذيها أو تشعركِ – بطريقةٍ أو أُخرى- أنكِ لستِ كافية.

أنتَ كافية، وكافيةً كثيرًا، ومن يشعرك بغير هذا فهوَ أعمىً لا يرى. وأرجو أن تتخذي القرارات التي تضعُ صحتك النفسيّة كأولويّةٍ بعدَ نفاد كل الخيارات والمحاولات، مثل؛ الاستقالة، أو السفر، أو الانفصالَ، أو غيرها.

ولربما سيخفف عنكِ ما سأشاركه الآن كما خففَ عني في وقتٍ ما. قالت لي صديقةٌ عرفتها ذات مرة، أنَّ “شعورَ الوحدة لا ينفصلُ عن المرضِ النفسيّ، سنظلُّ نشعر أننا وحيدات حتى وإن كانَ الجميعُ حولنا”. معرفةُ هذه الحقيقة ساعدتني على التوقّفِ عن تحدّيها أو محاولةِ تغييرها، بل إنني أتعايشُ معها ومع الناسِ من حولي.

مرةً أُخرى، أعرفُ أنَّني قد أكونَ واهمة، أو أفترض أمورًا صعبةَ القيامِ بها، أمورًا أردتُ أنا أيضًا التخلّص منها، لكن في هذا العالمِ الواسع هناك الكثيرات المستعدات ليحتضنَّك، غريباتٌ لا يعرفنك، أو ربما يفعلن. لا تخافي من اختيارِ نفسكِ قبلَ كُلِ شيء، لا أحدَ في هذا العالم يستحقُ أن يعاني لأنه مريض، ولا أحد يستحقُ أن تطحنهُ الأفكار وتأكل جسده وعقلهُ كُلَ يوم، ولا أحد – حتمًا- يستحقُ أن ينطفئ، بما فيهم أنتِ!

ستكونينَ على ما يُرام، كُلُ شيءٍ سيكون على ما يرامٍ في النهاية، إن لم يكن كل شيءٍ على ما يرام، فهذا يعني أنها ليست النهاية. دعينا نُراهن ونرى حتى متى يمكننا العيش في هذا العالم القذر، دعينا نحاول اتباعَ فضولنا لنعرف إلى أينَ يأخذنا المجهول.

وبعدَ سنتينِ من الآن أو 5 سنوات، أرجو أن أكونَ أنا أيضًا قد نجحتُ في هذا الرهان وأكتب لكِ مرةً أُخرى.

أنتِ لا تتدلعين، وأعرفُ أنكِ تتألمين. قُبلاتي لقلبك، ولألمك، علّني أستطيعُ احتضانكِ يا رَفيقتي.

 شِـفاء ( بكسر الشين وهمزة بالآخر)  

We´d love to meet you in person or online

Join us