Home 5 الإنتاج المعرفي 5 شعري يعبر!
read in English

شعري يعبر!

Aug 27, 2024

علاقاتنا مع شعورنا متشابكة كما هي خصلاتها، علاقة نامية ومتغيرة، تتراوح بين الحب والكره والمحايدة، أحياناً يصبح شعرنا لغة ، لغة تعبرعن علاقتنا بما حولنا وقدرتنا على اتخاذ القرارات وما نظهر وما نخفي، ولغة تعبر عن التغيرات من حولنا، لغة سائلة بلا قواعد ثابتة، في هذا المقال نحاول اكتشاف كيف تعبر أو لا تعبر شعورنا عنا، ما الذي تعكسه عن مواقعنا وقراراتنا.

في رحلة التفكير بهذه المادة استحضرنا شخصية ريتشل من مسلسل friends مستلهماً من تعليق لأحد متابعي المسلسل بأنه يستطيع تمييز الأجزاء من تسريحة شعر ريتشل، لا يمكننا أن نجزم إذا كان صناع المسلسل قد تعمدوا ذلك لكن الملفت هو أن شخصية ريتشل غرين هي من أكثر الشخصيات النامية في المسلسل والتي تنتقل من فتاة ثرية مدللة في بداية المسلسل إلى امرأة مجتهدة وناجحة وأم لطفلة في نهايته مروراً بتغيرات في الحالة الاقتصادية والعمل والعلاقات العاطفية على طيلة الأجزاء وتنعكس هذه التغيرات على تسريحة وطول شعرها، فمثلاً تعكس التسريحة الأشهر لريتشل في الجزء الأول الطبقة الاجتماعية الاقتصادية التي جاءت منها.

ونحن نشرع بالتفكير فيما الذي تعكسه شعورنا عنا وجدنا أنفسنا أمام سؤال من يملك شعورنا ومن يتخذ القرارات بشأنها

حاملة شعر أمي:

تقول لين (اسم مستعار) “شعري كان في الواقع شعر أمي هي من تتخذ القرارات الخاصة به أما أنا فعلاقتي معه هي قائمة من الممنوعات ” تشبه تجربة لين مع شعرها تجارب فتيات ونساء كثر حيث تنشئ بيننا وبين جزء/ أجزاء منا علاقة اغتراب فنحن ممنوعات من اتخاذ أي قرار بشأن هذه الأجزاء كأنها ليست منا وليست لنا، تعكس هذه العلاقة إلى حد كبير الهيمنة المفروضة على الطفلات والأطفال بصفتهن/م فئة مستضعفة في المجتمع ومنزوعة الأهلية، والذي قد يمتد لعمرالمراهقة ايضاً، فالأطفال والمراهقين في المنظور الإجتماعي كائنات تفتقر للوعي والمعرفة وغير قادرة على اتخاذ القرارات وتحتاج لمن يتخذ جميع وأبسط خياراتها عنها.

من زاوية أخرى ترمز شعورنا كطفلات اجتماعياً إلى قدرات ومهارات أمهاتنا كأمهات وكربات منازل، فهو دائما معيار لتقييم أمومتهن، هل تستيقظين مبكراً لتحضير طفلتك للذهاب إلى المدرسة؟ هل تشترين لها “البكل” وتعتنين بشعرها بمواد الترطيب كجزء من تدريبها على الأنوثة؟ هل تعلمينها كيف تبقي شعرها متناسب مع قواعد المدرسة وكيف لا تظهر به مثل الفتيات “الوقحات” كجزء من تدريبها على الطاعة والانضباط والحشمة والحياء؟ هل تقومين بمتابعة دورية لضمان نظافة شعرها؟

يمكننا إعتبار شعرنا هنا تعبيراً عن مدى إنضباط أمهاتنا في أدوار الأمومة وتماهيهن معها

ومع ثقل المهام والمعايير المفروض على أمهاتنا الالتزام بها بدورهن واللاتي لا يتشاركنها مع أحد، تحضر خياراتهن هن الأخريات ، قد يكون أكثرها شيوعاً شد شعرنا المموج بضفائر أو “ذيل فرس” نحو الوراء في صباح كل يوم مدرسي، أو على شكل قصه دون موافقتنا لتصبح مهمة العناية به أكثر سهولة و ليتناسب مع متطلبات المدارس.

لماذا تكره المدرسة شعري؟

ضفيرة أو اثنتين ، شعر مرفوع بربطة على شكل “ذيل فرس /قرن” مفرودة أو مجدلة، تسريحة “كعكة” مشدودة بدبابيس، ألوان “بكل”/ ربطات شعر محايدة اللون وخالية من الأشكال، هذه قائمة التسريحات المسموحة داخل المدرسة  والتي يشترط بها جميعاً أن يكون الشعر مشدوداً من مقدمة الرأس دون أن شعرات متطايرة وغير مهذبة بالإضافة إلى حجاب الأميرة وشال باللون الأبيض وكل ما يخالف ذلك مرفوض ويعد سلوك غير أخلاقي ولا يحترم “الصرح العلمي”.

تتقاطع صورة الشعر “المرتب” والمناسب للمدرسة مع دور المدرسة في بناء ما يشبه هوية موحدة وجامعة للطلبة وتتجاهل التنوع والاختلافات الأصيلة الموجودة بينهن/م فهي لا تلزم الجميع فقط بتسريحات شعر محددة وموحدة جنباً إلى جنب مع الزي الرسمي الموحد بل على هذه التسريحات المبنية في أساسها على ما يلائم طبيعة الشعر الأملس أن تكون ملائمة لجميع أنواع الشعر وأن تظهر عليها بالشكل نفسه وإلا فشعرك بحد ذاته يمثل مشكلة، يضاف إلى ذلك دور المدرسة في جعل قيمة الالتزام بالقوانين قيمة أخلاقية فضلى حيث تضع قوانين تتحكم بكل تفصيلة في مظهر وسلوك الطالبات وتستخدم أسلوب الإساءة والتحقير لفرض الالتزام بها

تروي لنا آية (إسم مستعار) تجربتي اساءة تعرضت لهما من قبل المشرفة ومعلمة في المدرسة فتقول ” عندما ارتديت الحجاب كان شعري طويل و كثيف وهو مموج”كيرلي” ذو حجم كبير بطبيعته، كنت أربطه تحت الحجاب و كانت المشرفة توقفني وتخرجني من الطابور صباح كل يوم، وتجبرني على شلح الحجاب و تبدأ بإهانتي واتهامي بأنني أسرح شعري من تحت الحجاب بهذه الطريقة قصداً ليتماشى مع الموضة التي كانت ممنوعة في المدارس وقتها، أما أحد أسوأ المواقف التي علقت بذاكرتي عندما قالت إحدى المعلمات عني خاروف لوصم شعري أمام كل طالبات الصف ”

تعكس حدة هذه التجارب جزءً من العقلية التي ينظر بها إلى الشعر، فإظهار الشعر/ أو ما يوحي بطوله وطبيعته بصورة غير المنصوص عليها هو فعل موصوم يهدف إلى الإغراء ويحتاج إلى التقويم وهو لا يقتصر على المدارس تسمي هبة (اسم مستعار )هذه الثقافة بالنظر إلى الشعر ب”جنسنة الشعر”

جنسنة الشعر

“في الثقافة العامة في مجتمعنا هناك دائما محاولات لإخفاء الشعر بإشارة لكون الشعر يحمل معنى أو طابع جنسي، هذا ينطبق أيضاً على طرق معينة في عرضه وإظهاره التي تقدم بشكل إغرائي ما يجعل الشعر يبدو كعضو جنسي” تخبرنا هبة عن قراءتها لرمزية لشعر في الثقافة المحلية وتكمل ” كنت اقطع طريقي مشياً من المنزل إلى العمل بشكل متكرر، ولفهم السياق هذا الطريق يمر بأحد أكثر أحياء عمان قبولاً للتنوع والتعددية (مقارنة مع غيره) وكنت الاحظ فرق عندما أمر بشعر مربوط أو شعر مفرود، عندما أمر بشعر مفرود يتزايد الذكور بي هذا يدل بالنسبة لي على عمق الدلالة الجنسية للشعر في ثقافتنا وشيوعها ”

أما وجد (إسم مستعار) فتخبرنا عن التعليقات التي تلقتها عند قص شعرها ” كنت سعيدة بقص شعري رغم أن التعليقات لم تكن إيجابية هناك من قال لي “مين رح يعجب فيكي الشباب بحبو الشعر الطويل” بشكل عام طول الشعر وطريقة تصفيفه تعطي انطباعاً عن ما اذا كنتِ امرأة صالحة للزواج والارتباط أم لا، فمن تخالف التقاليد وتخرج عن مفاهيم وقواعد “الأنوثة” في شعرها قد تخرج عن قواعد أخرى تتعلق ب”دورها” كامرأة في المجتمع، هذا يجعل البعض يشعر بالتهديد عن رؤية امرأة بشعر قصير تحديداً من الجيل القديم، هناك ايضاً افتراضات تتعلق بالتوجهات الجنسية قد توضع على أساس قصة شعرك، ما قد يقلل بدوره من فرص الارتباط بشخص مناسب أو يعرضك للخطر والتهديد ”

إذن فالشعر قد يحمل تعبيرات ذات بعد جنسي، أما عبر اعتباره جنسياً بذاته أو عبر النظر إليه كمكون يشير بالضرورة إلى الهوية الجنسية ويحددها وهو ما يحمّل نساء كثر عبء لا يرغبن فيه تجاه شعرهن للالتزام بمظهر “أنثوي” ولتفادي تعليقات ونظرات جنسية غير مرغوبة

 الشعر كعبء

 تقول لين في تعبيرها عن علاقتها مع شعرها “أدركت أن الشعر الذي أرغب فيه ليس الشعر الجميل، بل الشعر المريح، الشعر الذي أعتني فيه بحب وعندما أرغب وليس الذي يستنزف طاقتي ووقتي للإعتناء به”

تشعر العديد من النساء بأن شعرها يشكل عبء بالنسبة له خاصة مع فرض قواعد محددة لظهور الشعر بالفضاءات العامة والخاصة ما يفرض عليهن قضاء ساعات في تصفيف شعورهن، ووقت أطول لاستكمال خطوات” روتين الشعر”

فضلاً عن العبء النفسي الذي يفرضه وجود مظهر مقبول للشعر ومظهر آخر غير مقبول، ما يجعل النساء يعشن في عروض اداء مستمرة

ومن المهم ألا نتجاهل العبء الإقتصادي للعناية بالشعر من شامبوهات وكريمات عناية وتغذية وترطيب و زيوت ومستحضرات وأجهزة تصفيف وغيرها.

في هذا السياق يمكن لشعرنا أن يعبر أيضاً عن مدى قبلونا أو رفضنا للأعباء المفروضة عليه والالتزام بالصورة المفروضة، كما يمكن أن يعبر أحيانا عن مدى انشغالنا أو عن وضعنا الإقتصادي

يرتبط أيضاً عبء الشعر بالتمييز على أساس العمر إذ تجبر النساء على تغطية الشيب فور ظهوره وصبغ شعرهن باستمرار والا فإنهن يتعرضن للوصم أيضاً، يزيد هذا من العبء المادي عليهن لحاجتهن لتوفير الصبغة والاستعانة بمساعدة لصبغه، وعن التعبيرات المرتبطة بالعمر تخبرنا وجد بأن الشعر الطويل يرمز أيضاً للشباب والصحة  وأن المرأة ما تزال في عمرها الإنجابي في حين يرتبط الشعر القصير بالتقدم في السن وبدء تساقط الشعر

أمام هذا العبء ومحاولات فرض السيطرة علينا وعلى سلوكنا، كيف نستعيد شعرنا ليصبح تعبيراً عنا أو ملكية لنا

الخيارات المتمردة – كيف نستعيد ملكية شعرنا؟

نسرد في التالي إجابات مجموعة من النساء عن اللحظات التي شعرن فيها بأنهن يملكن شعورهن:

” كان الشعر الطويل مفروض علي طيلة حياتي تقريباً أول مرة شعرت أنني أملك شعري عندما قصصته لينتقل من شعر يصل إلى ركبي إلى شعر لا يلامس رقبتي ، من بعدها أصبحت أحب العناية به صار شعري أنا ملكي أنا كل ما قبل ذلك كان للأخرين، من وقت إلى أخر أفكر تطويله ليصبح طوله متوسط، أعلم أنه سيبدو جميلاً لكنني أخاف أن أتركه ليطول، كأن شيء داخلي يريد أن يبقي شعري تعبيراً واضحاً وصارماً عن رفضي أن يتم التحكم بخياراتي مرة أخرى ولا يتعلق هذا بالشعر فقط ”

” في طفولتي قصت أمي شعري كرهت هذه القصة كنت أريد شعر طويل وغضبت لأنها هي من تقرر عني، لاحقا عندما كبرت اخترت قصه بنفسي، عندما أنظر إلى الصور أراها تشبه القصة التي قصتها لي أمي في طفولتي لكن عندما قصصته أن شعرت بأنني أمتلك خياراتي، كنا في فصل الصيف ، كان الشعور جميل للغاية ، لا مزيد من حرارة الشعر في الصيف، اصبح شعري يحتاج مجهود أقل وكنت سعيدة جداً”

” لا أقوم بالكثير من الخيارات المتمردة ، خياري المتمرد هو أن أترك شعري على طبيعته، شعري يغزوه الشيب وأنا لا أحاول صبغه أو تغطيته، أراه جميلاً وأحب لو يزداد نمو الشيب، أتمرد على قواعد صالونات التجميل ايضاً باستعادة قراري بأني لا أريد فرد شعري ، أكتفي بقصه، بذلك أستعيد ملكيته في أكثر المساحات التي تسلب ملكية الشعر فيها”

“شعرت بملكية شعري عندما تركته على طبيعته في عرسي، تزوجت بشعر مموج”كيرلي” أحمر ، كنت سعيدة ولم أسمح لأحد بأن يفرض عليه فرده أو تصفيفه بطريقة معينة”

في نهاية هذا المقال لا يسعنا إلا أن نتمنى للقارئات رحلة سلسة نحو استعادة ملكية شعورهن والاحتفاء بها واستعادة ملكية كل أجزائهن التي غُربت عنهن

 

 

 

We´d love to meet you in person or online

Join us