جهان حاج بكري
تنويه: تم إنتاج هذا المقال في الفترة بين شهري أيلول/سبتمبر – وتشرين الثاني/ نوفمبر من عام ألفين وأربعة وعشرين ميلادي- 2024م بهدف الإضاءة على جوانب من معاناة الشعب السوري بسياقاته المتعددة التي كادت تصبح منسيّة لا سيما في ضوء تشعُّبات هذه السياقات التي لم تكُن تبدو مفهومةً وواضحةً لمن هن/م خارجها، لأننا مؤمنات بضرورة أن يكون تضامن الشعوب قائماً على الفهم أولاً سعينا أن يقدم هذا المقال صورةً عامةً ومعلوماتٍ واضحة قدر الإمكان، إلا أنّ تسارُع الأحداث بعد الانتهاء من إعداده حتى سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر جعل العديد من الحقائق الواردة في هذا المقال والشهادات المُتضمَّنة ماضياً، ننشره اليوم لأننا نرى فيه تأريخاً وتوثيقاً لجزء مما عاشه الشعب السوري قبيل سقوط نظام الأسد.
“حصلتُ على جواز سفرٍ سوريّ قبل تسعة أشهُر – جوازٌ غير مُستَعجَل، انتظرتُ مدّة شهرٍ ونصف للحصول عليه- وكلَّفني ألف دولارٍ مقسمةً إلى سبعمئة وخمسين دولاراً للرسوم، ومائتي دولار للمحامية التي توكَّلت بإصداره نيابةً عني، علماً أنها صديقةٌ قديمة، وقدَّمَت لي خدمةً بقبولها هذا السّعر، بالإضافة إلى خمسين دولاراً لنقله من مدينة حلب إلى إعزاز حيث أُقيم، بعد تحمُّل كل هذه التكلُفة لم أستطع الاستفادة منه، فطريقةُ السفر الوحيدةُ المُمكنة براً إلى تركيا مغلقةٌ في وجوهنا.
لم تكُن هذه محاولتي الوحيدة، حصلت أيضاً على جواز سفر آخر صادر عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمُعارضة، -هي الجهة التي تدير هذه المناطق- إلا أنه جواز لا يُعْتَرَف به دولياً لذا، فلم يكن لهذا الجواز أي فائدة تُذكَر بعد أن كلَّفني حوالي خمسمئة دولار، بعد محاولات عديدة للسفر على مدار السنوات الخمس الماضية تيقنتُ أنّ الطريقتين الوحيدتين المُمكنَتَين هما: إما السفر غير النظامي إلى تركيا، وهذه طريقة مُكلفة وخَطرة للغاية قد أتعرّض خلالها للقتل و/أو الاتجار بالبشر وهو ما لن أعرض نفسي له، أما الطريقة الأخرى فهي إصدار بطاقة تاجر بالتنسيق بين قوى المنطقة والجانب التركي، وهي تُمنَح لمن لديه أعمال تجارية مُرخّصة بين تركيا وسوريا، ويُسمَح لحامليها باستخدام المعابر الحُدودية، لكنّها أيضاً مُكلفة للغاية، وتتطلَّب إجراءاتٍ طويلة ودقيقة لإصدارها.
عدا عن استحالة إجراء مقابلاتٍ في السفارات في حال التقدُّم بطلب لجوء، فهي إما موجودة في مناطق سيطرة النظام التي لا يمكننا الذهاب إليها خوفاً من الملاحقة أو الاعتقال، أو تتطلب الذهاب إلى تركيا لإجراء المقابلة وهو غير ممكن كما أوضحت سابقاً
لذا فقد استسلمت للأمر الواقع، وتركت فكرة السفر “
هكذا حدثتنا الناشطة ميسا المحمود عن محاولاتها للخروج من الشمال السوري – مناطق إدلب وريفها وريف حلب الغربي التي تسيطر عليها قوات المعارضة-؛ إذ يعيش سُكانها حالة حصار منذ أكثر من عشرة أعوام، فلا يستطيعون السفر حتى في حال امتلاكهم/ن لجوازات سفر سارية المفعول؛ فهم لا يستطيعون الانتقال إلى مناطق سيطرة النظام التي توجد فيها المطارات، وتمنع السلطات التركية دخولهم بشكل نظامي إلى تركيا عبر المعبرين الحدوديين الموجودين – معبر باب الهوى بريف إدلب ومعبر باب السلامة بريف حلب- اللذين أُغلقا أمام المسافرين منذ بداية الحرب في سوريا مع وجود بعض الاستثناءات.
بحسب ميسا، فإن لهذه الظروف تأثيراً معمقاً على النساء، فبالرغم من أن الهجرة غير النظامية خطرة على الجميع، إلا أن النساء قد يقعن ضحية لشبكات الاتجار في البشر، أو يتعرضن للعنف الجنسي والاغتصاب خلال هذه الرحلة، فضلاً عن أن القيود المجتمعية التي تُفرضُ على تنقّل النساء وسفرهنّ في الظروف الآمنة تشتدّ وتتضاعف في زمن الحرب.
لا يختلف الحال كثيراً في مناطق شمال شرق سوريا – تشمل مدينة الحسكة وريفها ومدينة دير الزور ومدينة الرقة، وتتبع لسيطرة الإدارة الذاتية (قوات سوريا الديمقراطية- قسد)، ولسيطرة النظام السوري بشكل شكلي – إذ تكاد تكون فرص السفر فيها أيضاً معدومة.
تتحدث تولين وهي ناشطة حقوقية تقيم في القامشلي عن تكاليف إصدار جوازات السفر وأنواعها، فتقول “يتوجه السكّان هنا إلى دمشق أو الحسكة لإصدار جوازات السفر، مقارنةً بدخل الفرد تعتبر تكلفة إصدار الجواز مرتفعة، إذ تزيد عن مليونين ونصف ليرة سورية، أي ما يعادل مئتي دولار أمريكي، تختلف هذه التكلفة باختلاف المدة التي تستغرقها معاملة إصدار الجواز، إذ تزداد التكلفة كلما قصرت مدة المعاملة فهناك الجواز العادي الذي يستغرق إصداره حوالي شهر ونصف إلى شهرين، والعاجل وتستغرق مدة إصداره حوالي خمسة عشر يوماً والفوري الذي يحتاج يومين لإصداره.
أيضاً تختلف تكلفة إصدار جواز السفر بحسب مكان إقامة الشخص، إذ لا تقتصر التكلفة على معاملة إصدار جواز السفر فحسب، بل تشمل أيضاً أجور السماسرة ومعقبي المعاملات وتكاليف النقل”
أما عن تأشيرات السفر والإقامة في دول أخرى، فتخبرنا “الحصول على تأشيرات سفر وأوراق إقامة خارج سوريا صعب للغاية، ومع ذلك معظم فرص الهجرة والسفر تحصل عليها النساء الشابات عن طريق لمّ الشمل؛ إذ تمكن الرجال من السفر والهجرة في بداية الحرب وهو ما لم يكن مُتاحاً للنساء بسبب تكاليف السفر المُرتفعة، إذ مُنحَت أولويّة السفر للرجال، بالإضافة إلى أن وجهة السفر وظروفه كانت مجهولة وهو ما زاد القيود الاجتماعية المفروضة على سفر وهجرة النساء الشابات، ومع أن فرص الهجرة النظاميّة مُتاحة بشكلٍ أكبر اليوم للنّساء، إلا أنهنّ يضطررن للذهاب إلى أربيل أو بيروت لإجراء مقابلات في سفارات الدول التي يرغبن في السفر إليها، وذلك بسبب إغلاق بعض الدول لسفاراتها داخل سوريا”
وتقول تولين بأن طريقة السفر والهجرة الأكثر انتشاراً هي الهجرة غير النظامية، وهي ليست باهظة التكاليف فحسب، بل هي أيضاً محفوفة بمخاطر التعرُّض للسرقة والنّصب والاعتقال والاغتصاب والقتل وغيرها، أما عن فرص السفر النظامي، فتخبرنا “هناك فرص ضئيلة جداً للحصول على عقد عمل أو تأشيرة للدراسة في بعض الدول القليلة التي تستقبل السوريين/ات إلا أنها تتطلب الكثير من الجهد والوقت الذي قد ينتهي غالباً بالرفض”.
يشير الوضع الذي تخبرنا به تولين إلى الأعباء المضاعفة التي حملتها العديد من النساء في ظل الحرب في سوريا لرعاية أسرهن في ظل غياب الرجال الذين سبقوهنّ في الهجرة، أو غابوا لأسباب أخرى وهو ما أبقاهنّ في كثير من الحالات عالقاتٍ كمُعيلاتٍ وحيداتٍ للأُسر يحاولنَ النّجاة بأنفسهنّ وأطفالهنّ في ظلّ ظروفٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ واقتصاديةٍ صعبة وغير مستقرة
من جانبها قالت المحامية روان الزين في هذا السياق “يتطلَّب السفر من سوريا تكاليف ماليةً مرتفعة وهي موارد لا تملكها النساء عادةً، فضلاً عن أن التجنيد الإجباري للرجال زاد رغبة العائلات بإخراج أبنائها من البلاد كي لا يشاركوا في المعارك، في النتيجة باتت فرص النساء بالسفر والهجرة مرتبطة بالزواج والارتباط مع رجال سبق لهم الهجرة، ويمكنهم إخراجهنّ من سوريا عن طريق لمّ الشمل ما أجبر العديد من النساء على القبول بزيجاتٍ غير ملائمة ودون أي سابق معرفة”.
هذا الوضع الذي لم يترك أمام معظم السوريين/ات فرصة للسفر إلى أي بلد بطريقة نظامية ومع كل هذا التضييق في داخل سوريا، وفي دول اللجوء دفع بآلافٍ منهم لاختيار طرق السفر غير النظاميّة وقطع الغابات والبحار نحو أوروبا بحثاً عن حياة أفضل وعن أوراق وجنسيات جديدة تساعدهم/ن في التنقل والعيش كباقي الشعوب، وهو ما تسبّبَ بموت وفقدان المئات منهم خلال هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر[1].
لا يختلف هذا كثيراً عن الحال في مناطق سيطرة النظام السوري، غير أن سكان هذه المناطق يمكنهم/ن إصدار جوازات سفرهم/ن دون وسيط؛ ما يقلل تكلفة إصدارها، بالإضافة إلى إمكانية وصولهم إلى المطار والمعابر الحدودية البرية المفتوحة ما يزيد فرصةَ السفر بطرق نظاميّة، إلا أنّ العوائق الأخرى ما تزال تواجه السوريين/ات جميعهم.
تتحدث سارة وهي صحفيّة تُقيم في مدينة اللاذقية عن أثر تحديات السفر لحاملي/ات الجواز السوري، فتقول “تقف هذه التحديات عائقاً في وجه تطوير عملي الصحفي فأنا لا أستطيع الذهاب لأي تدريب إقليمي خارج سوريا، قدمتُ لعدة تدريبات كل مرة يكون سبب الرفض لوجستياً يتعلق فقط بجوازي السوري، كامرأة أيضاً يوجد طبقات أخرى، فعلى الرغم من أن القانون السوري لا يفرض علينا كنساء السفر مع محرم كما في دول عربية أخرى، إلا أنّ العُرف الاجتماعيّ ما زال يفرض ذلك مع وجود بعض الأسر التي تجاوزت هذه العادات، من مشاهداتي للنساء حولي تشجع العائلات بناتها على السفر للتخلص من الوضع المعيشي السيئ في سوريا ومستويات البطالة المرتفعة والهموم اليومية المرتبطة بتأمين ربطة الخبز وأسطوانة الغاز، إلا أنها في الوقت ذاته ترفض السماح لهنّ بالسفر وحدهنّ، وتسمح لهنّ بالسفر مع شركائهنّ أو بموجب لمّ شمل من شريك في الخارج”.
لا تقتصر صعوبات السفر على المتواجدين/ات داخل سوريا، بل تشمل اللاجئين/ات السوريين/ات في تركيا
“ما كان يمنعني سابقاً من السفر هو فقط الوضع المادي” هكذا وصف الصحفي السوري أحمد كنجو وهو أب لأسرة مكونة من ستة أفراد عوائق السفر، فرغم أنه يفكر في تغيير مكان إقامته منذ حوالي أربعة أعوام، إلا أنه لم يتمكن من ذلك بسبب ارتفاع تكلفة إصدار جوازات السفر؛ إذ إن الجواز السوري من أغلى جوازات السفر في العالم تكلفةً [2].
بعد تأمين المبلغ المطلوب لإصدار جوازات السفر، انطلق أحمد بسعيٍ جاد للسفر والخروج من تركيا قبل أربعة أشهر، ليصدم بالواقع الذي وصل إليه حال حاملي/ حاملات جواز السفر السوري فمعظم دول العالم لا تستقبلهن/م، والخيارات أمامهن/م محدودةٌ جداً، وإن وُجدَت فهي تحتاج إلى تكاليف باهظةٍ جداً يتعذّر على ذوي الدخل المحدود توفيرها.
يروي تفاصيل بحثه وتقصّيه للخيارات خلال الأشهر الأربع الماضية ” في البداية استخرجتُ جوازات السفر ما كلفني حوالي ثلاثة آلاف دولار، إذ كانت تكلفة إصدار جواز السفر الواحد أربعمائة وخمسة وعشرين دولاراً أمريكياً، أي ما مجموعه ألفين وخمسمائة وخمسين دولاراً للجوازات الستة لأفراد العائلة، وبلغت تكاليف الشحن مائتين وخمسة وعشرين دولاراً أمريكياً؛ لأنني أصدرتهم من القنصليّة السوريّة في الجزائر، فضلاً عن تكاليف إضافيّة لتصوير بعض الأوراق وإصدار بعضها.
بعدها بدأت البحث عن مكان مناسب للعيش، مناسباً تحديداً للأُسر، ويمكنني تحصيل تأشيرة دخولٍ إليه، كان الخيار الأنسب هو مصر، بسبب تكاليف المعيشة المقبولة فيها وطبيعة الشعب المصري الودود وغياب العنصريّة ضد السوريين مقارنةً بتركيا، إضافةً إلى التقارُب الثقافيّ واللُّغة المُشتَرَكة، لكن مع تسارُع الأحداث وارتفاع موجة العنصريّة ضد اللاجئين/ات السوريين/ات في تركيا، ووقوع أحداث قيصري[3] توجّه مئات اللاجئين/ات السوريين/ات إلى مصر، ما دفع مصر لإيقاف منح إقامات للسوريين/ات، وهو ما دفعني لاستبعاد خيار الانتقال إلى مصر، رغم أنه كان سوف يكلّفني حوالي أربعة عشر ألف دولار.
لم يبق لديّ الكثير من الخيارات، فكرتُ في السفر إلى سلطنة عُمان على تأشيرة المستثمر، لكنّ تكاليف المعيشة المرتفعة في عُمان دفعتني لاستبعاد هذا الخيار، وعُدتُ أبحث عن بدائل؛ كانت هناك فرصة سفر إلى البرازيل، لكن التأشيرة تحتاج إلى أكثر من عام لإصدارها، وربما تنتهي رحلة إصدارها بالرفض، وأنا مُضطرٌ للرّحيل إلى بلدٍ آمن بعيداً عن تركيا التي ترتفع فيها موجة العنصرية التي طالتني وعائلتي بشكلٍ شخصيّ، ويتوجّبُ عليّ الاستقرار قبل حلول العام الدراسيّ الجديد، أمام شعوري بالعجز وضيق الخيارات المُتاحة، لم يعُد لديّ خيارٌ سوى العودة نحو الشمال السوري، رغم عدم استقرار الوضع الأمني، ووجود الكثير من الصعوبات، لكن موجة العنصريّة هي ما يجبرنا كلاجئين/ات على العودة “الطوعيّة” غير الآمنة إلى سوريا”.
أما زوجته إيمان وهي رسامة، فتتحدث عن أثر هذه التجربة عليها قائلة “شكّلت العنصرية التي تعرَّضنا لها في تركيا ضغطاً نفسياً لي ولعائلتي، لا سيما بعد تعرُّض طفلي للضرب في المدرسة ما جعلني أتوقف عن العمل لعامٍ كامل، فكان لا بد من اتخاذ قرار ترك تركيا، قمنا ببيع كل ممتلكاتنا وتسليم بطاقات الحماية المؤقّتة استعداداً للانتقال إلى مصر، لكن سرعان ما شَدّدَت الأخيرة إجراءاتها ما حال دون تنفيذ هذه الخطة، بعد فشل فكرة الذهاب إلى عُمان أيضاً، اضطررنا للعودة إلى سوريا، ما زلت أشعر بالضيق وعدم الاستقرار، فالمشروع الذي بدأته في تركيا توقف، وفقدت كل ما بنيته طيلة الثلاث عشرة سنة الماضية، لكنني أحاول إخفاء هذه المشاعر كي لا أنقلها لأطفالي”.
يخبرنا إسماعيل بكري وهو صاحب شركة للخدمات العامة في أنقرة – تركيا تعمل على تسهيل عملية سفر الأجانب من تركيا وتحديداً السوريين عبر إصدار تأشيرات السفر والإقامات لهم/ن بأن “عدد السوريين/ات الذين يلجأون/ن إلى شركتنا بشكل يومي قاصدين السفر كبير جداً، لكن معظمهم/ن غير قادرين/ات عليه، إذ إن هناك شروطاً محددة يجب أن تتوفر لدى الراغبين في السفر، بالإضافة إلى التكاليف المالية التي تفوق قدرة اللاجئين/ات خاصة مع التضييقات التي يعيشونها في تركيا ورغبة الكثيرين بالتوجه إلى بلدٍ آمنٍ ومستقرّ للعيش وهو ما يزداد صعوبةً مع فرض العديد من الدول قيوداً إضافيّةً على منح السوريين/ات تأشيرات سفر بالإضافة للقيود المفروضة على منح الإقامة.
بالنسبة للاجئين/ات هناك أيضاً أبعاد أخرى عليهم/ن التفكير بها فخروجهم/ن من تركيا كبلد لجوء قد يعني أنهم/ن لن يتمكنوا/ن من العودة إليها إذا احتاجوا إلى ذلك، أو فشلت محاولتهم/ن بالحصول على إقامة في بلد آخر إذ عليهم/ن تسليم بطاقة الحماية المؤقتة الممنوحة لهم/ن، كلاجئين/م والتي تنوب عن الإقامة، وتسمح بحركة محدودة داخل تركيا”.
حلم السوريين/ات في حرية الحركة والتنقل لا يقتصر على التنقل بين الدول المختلفة، بل يشمل أيضاً التنقل داخل دولة اللجوء وهو ما يظهر جلياً في تركيا التي تمنع تنقل اللاجئين/ات السوريين/ات بين الولايات التركية المختلفة دون إصدار إذن سفر، وتفرض عليهم/ن البقاء داخل الولاية التي صدرت عنها بطاقة الحماية المؤقتة التي يحملونها كما تحظر عليهم/ن التواجُد في بعض الولايات والمدن.
عن تفاصيل وحيثيات إذن السفر تحدثنا المحامية روان الزين بأن “يمكن لللاجئين/ات السوريين/ات جميعهم التقدم بطلب الحصول على إذن السفر إلكترونياً لغايات الدراسة و/أو العمل و/أو العلاج، لكن معظم الطلبات يُرَدّ عليها بالرفض، رغم اكتمال الأوراق والشروط المطلوبة لذلك يبدو وكأنه ليس هناك مرجعية يُرْفَض على أساسها، بل تعتمد على مزاج الموظف، في حال مخالفة القانون والتنقل بين الولايات دون إذن يمكن أن تصل العقوبة في حالة قُبِض عليهم/ن يتنقلون دون إذن سفر إلى الترحيل إلى سوريا، هذا أشبه بسجن، إذ يقيد وصول اللاجئين/ات إلى فرص العمل والدراسة فضلاً عن مصادرته لحقهم في التنقل ما يدفع كثراً للتفكير بالهجرة إلى بلدٍ آخر”.
ومن ناحيةٍ أُخرى فيما يخصّ انعكاسات تقييد الحركة وقضايا الترحيل على النساء السوريّات اللاجئات أشارت روان الزين إلى أن النساء يضطررن إلى البقاء مع معنفيهنّ فهنّ لا يستطعن التحرك بحرية، ولا يستطعن التقدم بشكوى خوفاً من الترحيل، الأمر الذي يجعل وضعهن أكثر هشاشة لا سيما مع إدراك معنفيهنّ لمحدودية خياراتهنّ.
وأضافت دعاء محمد -ناشطة حقوقية سورية- عن التهجير القسري “يتعرض السوريون/ات للترحيل في عدة دول منها تركيا ومصر والعراق وغيرها، لكنني سأخصّص حديثي عن تركيا لمعرفتي الأكبر في السياق، تُطبَّق سياسات التضييق على اللاجئين، والتهجير القسري بشكل مُمَنهَج، ودون أي مساءلة، تتحمل النساء تبعات مضاعفة لهذا النزوح الجديد مرتبطة بأدوارهن الاجتماعية، إذ يقع على عاتقهنّ عبء حماية الأسرة ورعاية الأطفال وتوفير احتياجاتهم/ن الأساسيّة في ظل ظروفٍ قاهرة، حيث إن العودة إلى سوريا ليست آمنةً للجميع، وليست آمنةً للنساء على وجه الخصوص، خاصةً في ظلّ التقارير المُستمرّة عن الانتهاكات الجَسيمة التي قد يتعرَّضنَ لها من اعتقالٍ واحتجاز، رأينا حالاتٍ لنساء رُحِّلْن إلى شمال سوريا، على الرغم من وجود جميع الأوراق القانونية، ولكن مع الأسف مؤخراً يتم تحويل جميع الملفات الأمنية للسوريين/ات لإدارة الهجرة؛ ومن ثم تقوم فوراً بدورها بالاحتجاز في سجون الترحيل المؤقتة؛ ومن ثم ترحيلهم إلى سوريا، أثر الترحيل على النساء لا يعني فقدانهن لبيوتهن وأمانهنّ فحسب، بل هو أثر بعيد الأمد أيضاً، فهذا الترحيل إلى الشمال السوري يعيق مسيرتهن المهنية، ويقيّد ُخيارتهنّ ويحرمهنّ الحقّ في التعليم والعمل”.
إن حق الإنسان بالحركة والتنقل من أهم الحقوق التي تنصّ عليها، وتكفَلُها المواثيق الدوليّة، التي تصبح أكثر عرضةً للانتهاك والتجاهُل في حالات الحروب والأزمات بمقدارٍ مختلفٍ كلّ مرة وفي كل سياق، سلبُ هذا الحقّ ينعكس مادياً على الأفراد بحرمانهم/ن من فرص العمل والتعلّم وعيش حياةٍ بخياراتٍ أكثر انفتاحاً وتنوُّعاً، كما أنه بالضرورة ينعكس على صحتهم/ن النفسيّة والعقليّة، فهذا الشعور بالتواجد في سجن مدينة ما، بالإضافة إلى احتمالات المخاطر الكثيرة المتنوعة التي تختلف باختلاف جغرافية هذه المدينة، تسلب الفرد شعوره بالاستقرار والأمان والحرية والإرادة والقدرة، عاش السوريون والسوريات اليوم هذه الهواجس يومياً، وقد كان هذا المقال محاولةً لتسليط الضوء على أمثلة محدودة مما تخلّفه الحروب والأزمات من آثار على الشعوب يتوقف العالم عن رؤيتها والتحدّث عنها، بينما لا يتوقف الناس عن مُعايشتها والمعاناة منها في اليومي المعاش الخاص بهم/ن.
[1] أغلبهم سوريون ومغاربة وجزائريون.. تقرير أممي: طريق الهجرة لأوروبا قتل 29 ألف شخص في 8 سنوات
[2] تقرير: جواز السفر السوري الأسوأ والأعلى كلفة بالعالم
[3] أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات شمال سوريا