Home 5 الإنتاج المعرفي 5 إلى أمـي والصديقات

read in English

إلى أمـي والصديقات

Mar 7, 2025

إلى اللاتي عرفت معهن معنى الأختية، رغم وحدتي من الأخوات، يعرفن أنفسهن، ويعرفهن حزني وفرحي، لكم تبدو الحياة موحشة، لولا أنهن سور الأيام في الاستناد. 

كررت الحكايات على كل واحدة منكن..تحدثت لكنّ حتى أوصلني الحديث إلى بر أمان الصمت. ربما تحدثت مع مئات النساء، أحب فعل ذلك، وأحبه معكن أكثر، لكن امرأة واحدة لم أتقن محاورتها، ولا الاستماع إليها..امرأة أُحدث الآخرين عنها بالضمير (أنا)، ولا أتقن خوض الحديث معها، لكني أتقن الحديث مع أمها وصديقاتها. 

معكن ثرثرت ..حتى أتقنت الحديث معي، أعادني كرم انصاتكن إلى منولوجي الداخلي بعد انقطاع، سابقًا كنت طفلة تسمع صوتها بكثافة، في طفولتي نمت في غرفة من سرير واحد، لا أخوات في المنزل..أحيانًا، وهذه الأحيان استغرقت كل سنوات عمري تقريبا، صارت أمي أختًا لي، تحملت فوق احتمال الانصات، سمعت أكثر مما تسمع الأمهات والأخوات والصديقات مجتمعات، ومع كل تلك المساحة لم ينتهي عطشي للحديث ..لسنوات تذهب إلى استدعاء المدرسة، يشكون لها ثرثرتي في الفصول، تطلب من المعلمات احتمالي، فالوضع أني طفلة وحيدة، أعوض صمت المنزل بالثرثرة في المدرسة، لكن كل الثرثرات في الفصول المدرسية لا تعوض حديث أختين في سريرين متقابلين في هدأة الليل، هذا ما قررته في حينها. 

كان لي في النهار قسط من الثرثرة وفي الليل قسط من المنولوج الداخلي في سرير وحيد في الغرفة، وكلما كبرت زاد الصخب، وقل الصوت الداخلي، امتلكت صخب النهار وفقدت صوتي الذاتي تمامًا، ثم وجدتكن، الحديث مع كل واحدة منكن في صخب النهار، لا يشبه إلا الحديث بين أختين في سريرين منفصلين، شعورٌ يشبه ما قاله أمل دنقل في لا تصالح: 

“تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: 
أنَّ سيفانِ سيفك.. 
صوتانِ صوتك”. 

صوتان صوتك..هكذا أعاد لي صدق الحديث، والانكشاف، وكرم الانصات، أعاد لي كل ذلك القدرة على استعادة حديثي مع ذاتي، وكأني تمرنت على الحديث معي مرات كثيرة أمامكن، وكأني الآن قادرة على الانفراد بي وخوض الحديث في غيابكن..لقد أوصلني الحديث معكن إلى بر أمان الصمت معي، الصمت الذي فيه اسمع مونولوجي الداخلي..أنا الآن لا استوحش السرير الوحيد في الغرفة. 

سفانة أبو صافية

We´d love to meet you in person or online

Join us