شهادات عن تقاطعات النوع الاجتماعي والإعاقة
تظهر الصحة وسلامة الجسد كأحد أكثر المعايير صرامةً في مجتمعاتنا، من “الطبيعي” أن يُعزَل الأشخاص ذوو وذوات الإعاقة إلى حدٍ يجعلنا نرى في وجودهم/ن في فضاءاتٍ عامّة في المجتمع دمجاً لهم/ن؛ أي أنه فعلٌ قصديّ إضافي نقوم به، ولا نرى في إقصائهم/ن وعزلهم/ن أي فعل؛ فبالنسبة للفكر السائد هذا العزل والإقصاء يحدث نتيجةً لعجز جسديّ لدى ذوي وذوات الإعاقة يمنعهم/ن من القيام بما يمكن لسواهم/ن من “الطبيعيين” القيام به، وليس بسبب كون العالم مهيئاً لفئةٍ محدودةٍ من البشر السليمين جسدياً، من هنا ينطلق التمييز على أساس الإعاقة، من النظرة إلى تهيئة المساحات العامة والخاصة لتناسب الجميع باعتباره ميزةً إضافيّة لا قاعدةً أساسيّة في تصميم المساحات بمعناها الماديّ والمعنويّ والإصرار على التعامل مع الإعاقة كحالةٍ استثنائيّة لا كجزءٍ من التنوُّع البشريّ الطبيعي
في هذا المقال نرصد تجربتيّ كل من روان بركات وهي ناشطة في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومؤسِّسَة ومديرة مؤسسة رنين وعضوة في حملة ابني وصفاء عباسي حكواتيّة ومؤسِّسَة مبادرة حكاية على الحصيرة ومهتمة في الفنون بشكل عام، نقابل كل منهما بصفتهما نساءً ذوات إعاقة، إذ تحدثنا معهما عن تجربة الإعاقة ذاتها وعن تجربة تقاطعها مع كونهما نساء، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن تجاربهما لا تمثّل بالضّرورة تجارب النساء ذوات الإعاقة الأُخريات إنما تتشابه معها
لحظات الإدراك الأولى:
نتماهي في لحظات كثيرة مع انتهاكاتٍ حقوقيّة تُمارَسُ بحقّنا، قد يتمكن العالم من إقناعنا بأنّ المشكلة تنبع من داخلنا وليس من تعامله معنا، مع ذلك أدركت صفاء وروان في مرحلة مبكرة معاناة التمييز على أساس القدرة/الإعاقة وإمكانية أن تكون حياتهما أسهل لو توفّرت الخدمات المُلائمة
روان:
” يعني ممكن بمرحلة كثير بكير بلشت أحس بالمعاناة قبل ما أدرك إنه كيف ممكن تكون الحياة أسهل؛ أهلي سمعوا عن روضة للأطفال فيها أخصائية تربية خاصة مش مختصة مع الأطفال المكفوفين، احنا كنا سكان شميساني والروضة في منطقة أبو علندا، المسافة كانت بعيدة فكان بالنسبة لي الروحة والرجعة كثير صعبة وبعيدة، كنت عم بحس انه ليش بدي أروح هاي المسافة وبيوم من الأيام حكيت لعمي إنه أنا بحس حالي كل يوم وأنا رايحة على الروضة بمسك الشمس وبرجع، فيومها أخذوا القرار إنهم يرجّعوني على الروضة اللي قريبة للبيت لأنه ما كانوا شايفين أول شيء التطورات الكبيرة لأنه هي مش متخصصة للأطفال المكفوفين.”
صفاء:
” وأنا صغيرة ما كنت حاسة في أي فرق بيني وبين غيري كنت ألعب مع أطفال الحي، وبعمر المدرسة كان متوقع إنه أدخل معهم للمدرسة، فجأة كل الأطفال الآخرين راحوا على المدرسة وأنا المدرسة رفضت تستقبلني، فكلنا كأطفال كنا مستغربين إنه أنا ليش مش معهم، حكت وقتها المديرة لأمي المدرسة غير مهيئة وإنها بتخاف أتعرض لأذى من الطلاب الآخرين، علماً إحنا بقرية؛ والناس بتعرف بعض فهو احتمال مُستَبعد”
رحلة التعليم:
التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان وأساس في الفرص التي يُؤهَّل لها ويحصل عليها لاحقاً، تروي لنا كل من روان وصفاء محطات من رحلَتَي تعليمهما اللّتان تعكسان جزءاً من تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن
روان : ” بأول سنين من حياتي الدراسية كنت بمدرسة مخصصة للمكفوفين، على أيامي كانت المدرسة بدائية المناهج، كانت قديمة، بعدين لاحقاً تطوّرت وصارت مثل المناهج في المدارس الأخرى، لكن ضلّت مادة الرياضيات كثير بدائية ما كان في أساتذة متخصصين بتهيئة المادة للمكفوفين، يعني أنا بعرف عمليات رياضية محدودة (جمع وطرح وضرب وقسمة)، كمان بوقتها ما كانت الوزارة تزود المدرسة بالأدوات المطلوبة، أذكر أنه أحد آباء الطلاب زوّدنا فيها؛ نزل على مصر وجبلنا ألواح خاصة بلغة بريل على حسابه، اليوم الوضع أحسن، الوزارة بتأمّن هي المستلزمات، المدرسة كمَرَافق ما كانت مُهيأة يعني ما كان في مسارات للمشي مثلاً، في أدراج عادي، والساحة كان فيها حفر، لكن المدرسة مخصصة للمكفوفين فقط لكونها بتعلّم كتابة وقراءة لغة بريل، وكانت بعيدة كثير وباص المدرسة بجيب طلاب من أماكن مختلفة وبعيدة عن بعض، فيومياً كنت أقضي من ساعة ونص لساعتين بالطريق مرة الصبح ومرة المسا، لاحقاً لما صرت بصف سابع ورحت على مدرسة لغير المكفوفين وكنت قادرة أتأقلم بشكل تام، كان عندي تحدي إنه كتب اللغة الإنجليزية مش منهاج أردني الوزارة ما بتطبعها بلغة بريل، فكان عندي معاناة إنه لازم أسمعها سماعي وكان عندي مسؤولية إني أشرح لكل حدا في المدرسة كيف يتعامل معي، كيف مفروض أقدم الامتحانات، ما كانت معاناة وما كنت أحس بالإقصاء، لكن لاحقاً في مرحلة التعليم الجامعي شعرت بالإقصاء، في مرحلة الجامعة شعرت بالتمييز والإقصاء؛ درست فنون مسرحية وبنظر بعض الدكاترة انا غير جديرة أني أكون بهذا المكان؛ ظهر من خلال مواقف مختلفة بدأت بواحد من الدكاترة حكالي “إنتِ مبسوطة كنتي تمثّلي قبل الجامعة كانوا يصوّروكي ويلمّوا عليكي فلوس” لما اجيت أتخرج كانوا الدكاترة رافضين أعمل إخراج لعرض مسرحي، وطلبوا إنه نكتفي بنصوص مكتوبة، لأنه بنظرهم أنا ما رح أقدر أخرِج لأني مش شايفة وأنا أصرّيت إني أخرج”
إذن تحكم الإعاقة وجود فرص التعليم ونوعيّة هذه الفرص، المناهج المُتاحة وغير المُتاحة تحدّد نوع المعارف التي يمكن تعلُّمها من خلال المدرسة وبالتالي تحدّد أيضاً مسارات التعليم العالي في المستقبل، فتدريس مادة الرياضيات بشكل بدائي مثلاً يحرم الطلبة المكفوفين والمكفوفات من فرص استكمال تعليمهم في تخصصات العلوم التطبيقيّة
على مستوى آخر تُحَجَّم قدرات الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة دون الرجوع لهم/ن وسؤالهم/ن عمّا يمكنهم/ن فعله بل تحكم نظرة الآخر معيارَي القدرة الجسديّة على قدرتهم/ن، أما عن تجربة صفاء
” لما أفكر في تهيئة بيئة التعليم هو لا يقتصر على المكان، الكوادر التعليميّة لازم تكون مؤهّلة للتعامل؛ لو كان الكادر التعليمي عنده القدرة وحامل مفهوم الدمج رح تنحلّ كثير من المشاكل وتتم عملية التعليم بدون تمييز، بتجربتي أنا اضطريت أبعد عن أهلي بسنوات الدراسة الأولى وأدرس في مدرسة داخليّة بعمّان وهي ما كانت تجربة سهلة، بعدين بقراري انتقلت لمدرسة حكوميّة، المدرسة ما كانت مُهيّأة لكن والدي جاب ورشة وعمل حمام مُهيّأ في المدرسة ومقعد مناسب إلي والمدرسة تعاونت ونقلت صفي للصفوف الموجودة في الطابق الأرضي
في هي المدرسة واجهت بس مرة وحدة تنمُّر من أحد الطلاب كان يضل يسخر من الكرسي المتحرك، بوقتها خبرت المديرة هدّتني و نادته وحكت معه وشرحتله ومن بعدها ما رجع أزعجني، وما حدا ثاني رجع أزعجني لأنه فعلياً المدرسة كلها جاي من عائلات أقارب وأصدقاء وهذاك الطفل كان هو بشوفني لأول مرة، بمرحلة المدرسة الثانوية والدي كان بده يهيّء المدرسة الثانوية الي عنا بالقرية، لكن المديرة كان ردّها بأنه صفاء بنتنا وهي مسؤوليتنا وبالفعل جهزوا المدرسة لتكون ملائمة والتحقت فيها”
في السياق الذي تحدثنا عنه صفاء في قريتها حوفا الوسطية في محافظة إربد يدخل عامل المجتمعات الأصغر التي يعرف الناس فيها بعضهن/م البعض ويتواجدن/ون في حيوات بعضهن/م ويطلعن/ون عليها في مراحل عمرية مختلفة، لتكون هذه المجتمعات هي الأكثر دعماً وقبولاً، بحكم التعرُّض والتفاعل المستمر والمباشر مع الشخص ذو الإعاقة ما ينزع فكرة الغرابة الأولى وبفضل طبيعة العلاقات القريبة داخل بنية القرية القائمة على شكل من أشكال التكافل الاجتماعي والمصالح المتبادلة بين أبناء المجتمع؛ لا نجزم هنا أن تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في القرى تشبه تجربة صفاء التي رافقها دعم مستمر من العائلة النواة
تقول صفاء في هذا السياق أن والدها كان يتعمد تقديمها للناس والتأكيد على قدرتها على التفاعل داخل المجتمع ويرفض إخفاءها فضلاً عن الدور الذي لعبه في المساهمة في تهيئة المساحات لها بعكس ما يحدث للعديد من الأشخاص ذوي/ذوات الإعاقة الذين/ اللواتي يتعرضون/ن للعنف والتمييز على أساس القدرة بدءاً من عوائلهن/م النواة وامتداداً إلى باقي المجتمع
العنف والتمييز القائمان على أساس الإعاقة والنوع الاجتماعي:
نروي في التالي بعض مظاهر العنف التي أخبرتنا عنها كل من صفاء وروان؛ إذ يُعد الإخفاء أبرز مظاهر العنف، فتُخفي العائلات أبناءها وبناتها من ذوي وذوات الإعاقة خوفاً من نظرة المجتمع لهم/ن وحرصاً على فرص باقي الأبناء والبنات ولاسيما البنات في الزواج، يُمنعن/ون من الخروج من المنزل أو حتى مقابلة الضيوف، في بعض المنازل تُعامَل النّساء ذوات الإعاقة كخَادمات لاسيما مع حرمانهنّ فرص التعليم، في ذات المنازل ومنازل أخرى يتعرض الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة للضرب المبرح، وبعض الأطفال من ذوي الإعاقة ولا سيما حاملي متلازمة داون يحرمن/ون من حقهم في الحصول على المطاعيم، بشكل خاص تُحرَم النساء ذوات الإعاقة من عديد من الفرص خوفاً من تعرضهنّ للاغتصاب والاستغلال الجنسي وقد يصل العنف هنا إلى إجراء عمليات إزالة للرحم والتي يترتب عليها العديد من الآثار الصحية لاسيما لدى النساء دون سن الأربعين إذ إن الدخول في مرحلة انقطاع الطمث المبكر تؤدي للعديد من المخاطر الصحية بعيدة الأمد من بينها هشاشة العظام وأمراض القلب والأوعية الدموية والزهايمر فضلاً عن خطر مضاعفات العمليّة نفسها
على مستوى الزواج والارتباط، يُحرم الأشخاص ذوي الإعاقة ولا سيما النساء ذوات الإعاقة فرصتهنّ في الزواج، تتقاطع هنا الإعاقة والنوع الاجتماعي، إذ يُنظَر إلى النساء ذوات الإعاقة على أنهنّ غير قادرات على القيام بما يُطلَب من النساء تقديمه ضمن إطار الزواج على مستويات العمل الرعائي غير المأجور، الصورة الاجتماعية والعلاقة الزوجية.
أما على مستوى العمل؛ تخبرنا صفاء تجربتها في البحث عن عمل فتقول ” هناك نظرة مفادها أن الأشخاص السليمين والسليمات عاطلين/ات عن العمل؛ فكيف يُخيّل لكِ أنتِ على كرسي متحرك بأنك ستجدين فرصة عمل، هذه التجارب قاسية لا أحب تذكُّرها”
أما عن روان فقد خاضت تجربة مختلفة بالترشح للبرلمان قبل عدة سنوات؛ ” خلال تجربة الانتخابات كان في نوع من أنواع التمييز من خلال تفاعل الناس على السوشيال ميديا، العنف الإلكتروني المُوجّه ضدي تعرّضت إله ليس بناءً على أفكاري أو برامجي لا كان مبني على الإعاقة. حتى عند الاختلافات الفكرية كانت تتم معايرتي بإعاقتي، أحد التعليقات الذي علق بذاكرتي تعليق لناشطة إعلامية موجودة خارج الأردن كتبت بما معناه روان الشابة الأردنية الكفيفة الطموحة تم التغرير بها لدخول الانتخابات وستصل إلى البرلمان لتجلس كحورية، المزعج إنها ما فكرت تبحث عني على جوجل تشوف مين أنا شو حاولت أعمل ببلدي، بالنسبة إلها يعني أنا لأني كفيفة فأنا ساذجة ما بقدر أفكر وأكيد مش قراري أدخل الانتخابات لا تم التغرير فيّ، بموقف ثاني سألوني عن رأيي بتدريس الصحة الإنجابية والجنسية للطلاب في المدارس فرديت رد علمي ومتحفّظ ومتناسب مع السياق الاجتماعي فكان أحد التعليقات أنه الله عارف إنه هيك رح تكوني لما تكبري لهيك عمل فيكي هيك، فزي كأنه الإعاقة عقاب من الله، هذا ما اقتصر على الفضاء الرقمي؛ مرة كنت رايحة أحكي عن الانتخابات وبرنامجي، فالمذيع بحكيلي بس بدي أسألك سؤال شخصي شو سر أناقتك وكيف بتديري بالك هالقد على أناقتك وأنتِ دائماً إطلالاتك كثير مرتبة؛ وكأنه لازم أكون مشرشحة يعني إذا مش شايفة بنفعش ألبس فساتين مرتبة أعمل شعري واحط ميك أب، يعني تخيلي لو أي واحدة تانية جاية على نقاش حول الانتخابات يمكن يُعتبر تحرُّش إذا سألها المذيع هذا السؤال، بس إلي يُعتبر شيء إنساني”
المسميات والنظرة للأشخاص ذوي وذوات الإعاقة:
تتراوح الآراء الاجتماعية حول مُسمّى ولفظ “الإعاقة” وتبرُز من حين إلى آخر تسميات أخرى مثل “أصحاب الهمم”، “ذوي الاحتياجات الخاصة” وغيرها فماذا تخبرنا صفاء وروان عن رأيهن بهذه المُسميات وما المُسمّى الذي يعبر عن تجاربهنّ؟
صفاء: ” لما أعرِّف عن حالي كمرأة ذات إعاقة، بتلقى رفض واستغراب من المحيط، تساؤل إنه “ليش بتحكي عن حالك هيك”، أنا ضد أي مُسمى ولكن المُسمى المُتّفق عليه أشخاص ذوي إعاقة وهون المقصود إعاقة في البيئة الاجتماعية وفي النظرة إلنا، بالنسبة إلي أنا مثلي مثل الناس، ياريت نوصل لمرحلة تروح كل المسميات وما يكون في حاجة إلها وعادي أعرف عن حالي إنو أنا صفاء وبس. بالنسبة للفظ ذوي الاحتياجات الخاصة كلنا عنا احتياجات خاصة، وأصحاب الهمم بلّش مسمى لأصحاب الألقاب الرياضيّة، إنه المجتمع شايف هدول الأشخاص أصحاب همة عالية، خارقات وخارقين، الإشي المهم إنه مو كلنا هذا النموذج، في أشخاص ذوي إعاقة متوفر لهم كل جوانب الدعم لكن ما بدهم يعملوا إشي ولا يكونوا خارقين/ات وهاد خيارهم/ن.”
روان : ” أنا مع لفظ شخص ذو إعاقة، نحن بنحكي عن فكرة المعيقات، عشان نذكر دائماً إنه لو أُزيلت المعيقات نحنا بنقدر نعيش بشكل طبيعي وبشكل مستقلّ،عدم الشمولية، عدم التهيئة، البيئة المُعيقة هي الإعاقة، هاي كلها هي اللي بتسبب الإعاقة مش فقدان البصر هو بحدّ ذاته الإعاقة؛ فما عندي مشكلة في، وعندي مشكلة مثلاً مع أصحاب الهمم وأصحاب التحديات أنا مو مضطرة أكون سوبروومن عشان أعيش أو أكون سوبرمان عشان أعيش، عشان ما بدهم يهيؤوا الحياة”
تشير صفاء وروان إلى الإعاقة كلفظ لتوصيف البيئة غير المُهيّأة، لفظٌ ضروريّ من منظورٍ حقوقيّ لفهم واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في حين تظهر المصطلحات الأخرى كمصطلحات مُلطَّفة و مُتلاعبة، فيسعى مصطلح أصحاب الهمم إلى نقل مسؤولية التعامل مع الإعاقة من المؤسسات والمجتمع وإلقاءها على كاهل الأشخاص ذوي الإعاقة بدلاً من تحمل مسؤوليّة تهيئة البيئة المُحيطة مادياً ومعنوياً والتوعية بمفهوم الإعاقة.
حصر واختزال هوية الأفراد في الإعاقة هو أحد الإشكاليات المرتبطة بالنظر للأشخاص ذوي الإعاقة؛ إذ يتم اختزال هوياتهم/ن في الإعاقة وتجريدهن/م من البعد الإنساني
تقول صفاء ” كامرأة من ذوات الإعاقة ساكنة في قرية كان عندي حب كبير إنه بدي أطلع وبدي أتعرف على مجتمعي وبدي أتعرف على أشخاص، ولكن لقيت تحديات قدامي من خلال التواصل مع الآخرين؛ على طول يتم الحكم عليّ بناءً على شكلي ودائماً بتمّ النظر إلنا إنه أشخاص اتكاليين وبدنا مساعدة بكل تفاصيل حياتنا، ولكن بعد ما يتم التعرف عليّ بحكولي إنه كان انطباعهم/ن عني مختلف، و دائماً بدي أوضح وأبرّر إنه مش ضروري أحتاج دائماً المساعدة”
أما روان ” أول شيء الناس بتشوفه فيكِ إعاقتك قبل ما تشوف أي شيء ثاني، فأول سؤال ممكن تنسأليه من أي حدا بشوفك، تعرفي فلانة أو فلان؟ أو أنتِ فلانة؟ طبعاً فلانة ممكن تكون أكبر منك بـ عشرين سنة أو مثلاً إنتِ غير محجبة وهي محجبة، وما بتشبه شكلك؛ لكن بيسألوكي هذا السؤال وبيشوفوكم نفس الشخص لإنه انتو التنتين ما بتشوفوا، كثير من المرات انحصرت بالإعاقة، يعني وقت ما خُضت تجربة مجلس النوّاب كثير من الناس لما على السوشيال ميديا حصروا كل حياتي إنه هاي اللي مش قادرة تشوف، كيف بدها تقدر تكون فاعلة بمجلس النواب. وسائل الإعلام لما تتناول قصة نجاحي بشغلي كثير من الأحيان ممكن يستخدموا عناوين مثل “تتحدى العتمة” “في مواجهة الظلام” حتى لو كنا رايحين نحكي مثلاً مؤتمر عن التحديات التي يواجهها الرياضيون بس يوصلوا عندي مثلاً وقد صرّحت الرياضية الكفيفة، فلازم هذا الـ label بعد اسمي.
وكما يُختَزَل الأشخاص في الإعاقة تُختَزل الإعاقة ذاتها بنظرات مُعمّمة وتمثيل شكلي للأشخاص ذوي الإعاقة، تقول روان “الشمولية بأغلب المؤسسات كذبة، فقط لعدّ أشخاص وتحقيق شروط المُموّلين، الفرق في المساحات الشمولية والمُرحّبة لما يسألوني هل أنتِ بحاجة لتسهيلات أو شو احتياجاتك؟ وعدم افتراض احتياجات، كل شخص من ذوي الإعاقة عنده احتياجاته المختلفة عن غيره”
فيما تخبرنا إياه روان توجيهٌ مهم، إذن ليس علينا أن نعرف كل شيء عن الآخر المُختلف عنّا أياً يكُن اختلافه وأن نحفظه عن ظهر الغيب، علينا أن نقبل عدم معرفتنا وأن نسأل ونستمع بإنصات ونعمل بجهد وبأساس ورغبة حقيقيتين بأن تكون مساحاتنا شاملة وملائمة للجميع.
ينفصل العمل على قضايا الإعاقة عن قضايا أخرى في العمل العام، نتحدث عادةً عن القضايا بشكل منفصل ويَندُر أن نرى الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من مساحاتنا وعملنا، كأننا ننصاع لعالمٍ يسعى لتفتيت هوياتنا وجعلها أُحاديّة الأبعاد ويرفض رؤية أثر تقاطعيّة أنظمة القمع في حيواتنا ويسعى لقولبتنا ضمن نماذج محدودة لا تتسع للتعددية الموجودة في واقعنا، نسأل في ختام هذا المقال ماذا بعد؟ كيف يمكننا أن نفكر ونبني نضالات جماعيّة شاملة ترفض جميع أشكال التمييز بدلاً من النضالات الفردية المتفرقة؟ نحمل هذه الأسئلة معنا ونحن نفكر في عملنا القادم، ونشاركها معكن/م علَّها تحرك موجةً في الماء الراكد