تم إعداد هذا التقرير من قبل فريق تقاطعات.
قامت بالمراجعة القانونية الأولى المحامية المتدربة سفانة أبو صافية،
وقامت بالمراجعة القانونية الثانية المحامية الأستاذة هالة عاهد.
الرحمة لأرواح النســاء اللواتي وصلتنا مقتــطفات من قصـص الغـدر بهن ومقتــلهن، واللواتي لم نعـرف عنـهن بعد، إذ أُخفيت قصصـهن قســرًا كما سُــلبت أرواحـهن.
لسنة أخرى، تستمر في الأردن جرائم قتل النساء، فتخطف أرواحهن وتؤرق عيشهن، ما يسلط الضوء على الثغرات القانونية والثقافية التي لا تزال تتيح استمرار العنف ضدهن دون رادع كافٍ. في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وحتى تاريخ 29 مارس، فقدنا في الأردن ثلاث نساء وطفلة، بينما تعرضت ثلاث نساء لمحاولات قتل، وفتاتان لجريمة تشويه وإيذاء. في الزرقاء، أُصيبت امرأة بعيار ناري، وقُتل ابنها الشاب على يد والده، فيما قُتلت شابة في الشونة الجنوبية على يد شقيقها، الذي سدد لها 16 طعنة. كما لقيت طفلة في الخامسة من عمرها وشقيقها الرضيع حتفهما غرقًا في سيل الزرقاء على يد والدهما، الذي أراد الانتقام من والدتهما. وفي حادثة أخرى، تعرضت فتاة للتشويه على يد شخص مأجور، دفعه والدها لإيذاء والدتها، بينما تعرضت فتاتان للطعن والتشويه على يد سبع فتيات انتقامًا لقيام شقيقهن بفسخ خطوبته من إحدى المعتديات. كما سقطت الفنانة المصرية آية عادل من الطابق السابع بعد تعرضها للتعذيب على يد زوجها، ولا يزال التحقيق جاريًا في الظروف المحيطة بقتلها، في حين قُتلت امرأة خنقًا في الزرقاء على يد زوجها بعد أن قام بتعذيبها، وفي الشونة الجنوبية قتلت إمرأة على يد زوجها رمياً بالرصاص.
تظهر هذه الجرائم نمطًا من العنف المرتبط بمفاهيم الانتقام والسيطرة الذكورية، ورغم توجيه لوائح اتهام تنطوي على تكييف قانوني أولي لجرائم خطرة، يرتب المشرع عليها عقوبات ذات أحكام عالية، إلا أن ذلك لم يوقف سفك دماء النساء، مما يجعل مراجعة قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960. ضرورةً للوقوف على مدى معالجته لهذه الجرائم ومنع تكرارها
في غياب الحـماية.. الانتـقام ذريعة للجــرائم المرتكبة بحق النســاء والفـتيات
في العام الماضي، قُتل أطفال وطفلات في محاولات من آبائهم/ن للانتقام من أمهاتهم/ن وإحراق قلوبهن. هذه الجرائم لا تزال مستمرة، إذ أودت بحياة طفلة ورضيع، وأدت إلى تشويه فتاة أخرى وإصابتها بجروح خطيرة. هذا يطرح تساؤلًا حول أساليب حماية الأطفال، فعلى الرغم من حصول الأب الأول على حكم بالقتل العمد المكرر، لم يمنعه ذلك من ارتكاب جريمته، بل أبلغ زوجته بها أثناء تقديمها بلاغًا ضده لدى حماية الأسرة، ولم يمنعه ذلك من تسليم نفسه والاعتراف بجريمته. فلم تكن العقوبة، رغم شدتها، رادعًا له عن ارتكاب الجريمة.
أما الأب الآخر، فهو من أصحاب السوابق، إذ حُكم عليه بالسجن سبع سنوات لمحاولته قتل زوجته، وبعد إنهاء محكوميته، عاد لينتقم منها برفقة أصدقائه، ودفع المال لأحد المأجورين لتنفيذ الجريمة، إلا أن المأجور أخطأ في استهدافه، فكانت الضحية ابنة الرجل بدلًا من زوجته. ما يجدر الوقوف عنده هنا أن السجن لم يلعب أي دور إصلاحي، ولم يسهم في حماية الزوجة أو الابنة، كما لم تُتخذ أي إجراءات احترازية تحول دون وقوع جريمة أخرى.
تنطوي جريمة قتل آية عادل – التي لم تصدر فيها لوائح اتهام بعد إلا أن عائلتها ترجح أن يكون زوجها قد قتلها خاصة مع تاريخ العنف الذي مارسه ضدها- أيضًا تحت هذا الإطار، إذ كانت الضحية تحاول الخروج من دائرة العنف الذي تعرضت له على يد زوجها، إلا أنه غدر بها انتقامًا. ولم يكتفِ بذلك، بل هدد لاحقًا والدتها بإيذاء أبنائهما في حال استمرت عائلتها بالمطالبة بتحقيق عادل وتأكيدهم على اعتداءاته المستمرة ضدها.
إن غياب وسائل الحماية عند الإبلاغ عن العنف ضد النساء وأطفالهن يضع النساء بين فكي كماشة؛ فإما أن يقبلن باستمرار العنف، الذي قد يتصاعد إلى حد القتل، أو أن يبلغن، فيصبحن هن وأطفالهن عرضة لجرائم الانتقام.
أما في جريمة الانتقام التي طالت الفتاتين، فلا يظهر هنا الانتقام من النساء فحسب، بل أيضًا الانتقام بالنساء، إذ عمدت الفتيات إلى تشويه الضحيتين بجروح لا يمكن شفاؤها، حيث نقعت أدوات الجريمة بالثوم لمنع التئام الجروح. هنا، يحضر الوزن الثقافي لسمعة الفتيات ومظهرهن، ليصبح التشويه بحد ذاته شكلًا من أشكال الإسقاط الاجتماعي للضحية وعائلتها. كما يتجلى الوزن الثقافي لما يسمى بـ”الشرف”، الذي تمثله النساء في عوائلهن، كمسبب أساسي لجريمة الانتقام، حيث يُنتقم من الرجال عبر المساس بشرفهم، أي بنساء عائلاتهم.
هذا النوع من الجرائم لا يمكن مقاومته دون تفكيك هذه الثقافة، وفك الارتباط بين قيمة المرأة وسمعتها، ورفض أن تكون كينونة النساء مرهونة بشرف العائلة ورجالها.
قانون العقـوبات… عقـوبات مشـددة ووزن ثقافي
يعالج قانون العقوبات الأردني ثلاثة أنواع من الجرائم التي تؤدي إلى وفاة المجني عليها: القتل القصد، الذي يُعد قتلاً عمدًا إذا سبقه إصرار وتخطيط؛ والقتل الخطأ الناتج عن الإهمال أو عدم الاحتراز أو مخالفة القوانين؛ والضرب المفضي إلى الموت، والذي يعرّفه القانون على أنه جريمة إيذاء تجاوزت القصد وليس جريمة قتل.
ويستند هذا التفريق إلى الركنين المادي والمعنوي للجريمة؛ إذ يتكوّن الركن المادي من ثلاثة عناصر: النشاط الإجرامي، والنتيجة الجرمية، والعلاقة السببية. ورغم أن هذه الجرائم الثلاث تشترك في النتيجة و وجود العلاقة السببية – أي أنها جميعًا أدت إلى وفاة المجني عليه وتسببت بها – فإنها تختلف من حيث النشاط الإجرامي الذي أدى إلى تلك النتيجة. أما الركن المعنوي فهو القصد الجنائي، ويتكوّن بدوره من عنصرين: علم الجاني بأن ما يقوم به يُشكّل جريمة جنائية، ومعرفته بنتائج فعله، إضافة إلى إرادته في إزهاق حياة المجني عليه. ويتم الاستدلال على هذين العنصرين من خلال سلوك الجاني والتحقيق في الجريمة. ففي جرائم القتل القصد، يكون القصد هو إزهاق روح المجني عليه، ويصبح القتل عمدًا إذا سبقه إصرار، أي تخطيط مسبق لإزهاق روح الضحية. أما في حالة الضرب المفضي إلى الموت، فيكون القصد إيذاء جسد الضحية دون نية قتلها. وفي القتل الخطأ، لا يكون هناك قصد للمساس بحياة الضحية أو بسلامة جسدها.
لا يحمل القانون الأردني في مواده الحالية أحكامًا خاصة بجرائم قتل النساء، باستثناء المادة 340 التي تمنح عذرًا مخففًا لمن فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع، فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معًا، أو اعتدى على أحدهما أو كليهما اعتداءً أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت. وتنطبق ذات الأحكام على الزوجة التي تفاجأت بزوجها متلبسًا بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية، فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلهما معًا، أو اعتدت على أحدهما أو كليهما اعتداءً أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت.
كما تنص المادة 98 على أن يستفيد من العذر المخفف من ارتكب جريمة تحت تأثير سورة غضب شديد ناتجة عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه. إلا أن هذا العذر لا يُطبق في الجرائم الواقعة على النساء ما لم تكن ظروفها مندرجة ضمن أحكام المادة 340.بخلاف ذلك، فإن الجرائم المرتكبة ضد النساء تخضع للأحكام العامة نفسها التي تُطبّق على باقي الجرائم، وهو ما يُشكّل تمييزًا سلبيًا واضحًا. إذ أن سياقات جرائم قتل النساء تختلف بحكم كونها جرائم قائمة على النوع الاجتماعي، وغالبًا ما تحدث داخل العائلة.
لا يأخذ قانون العقوبات في الاعتبار تاريخ العنف السابق للجريمة كجزء من ملابساتها. ففي حالات الضرب المفضي إلى الموت، يمكن أن يُشير تاريخ العنف السابق إلى أن القصد لم يكن مجرد الإيذاء، بل القتل. وهنا تبرز خصوصية الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، إذ أن النساء قد يُهدَّدن اجتماعيًا بالتعذيب والضرب حتى الموت. كما لا يراعي القانون مدى قرب الجاني من الضحية، وهو ما يتيح له، في ظل غياب أنظمة حماية فعّالة، احتجازها وارتكاب الجريمة. ولا يُؤخذ بعين الاعتبار عامل الغدر، إذ من المفترض أن تكون العائلة والمنزل مصدر أمان للضحية، خاصة في حالات قتل الأصول للفروع، حيث تقع مسؤولية الحماية على عاتق الأصول.
ما نتحدث عنه ليس بعيدًا عن القانون نفسه، إذ يتضمن القانون حالات يتم فيها تشديد العقوبة في جرائم الضرب المفضي إلى الموت، كأن يكون المجني عليه موظفًا أثناء تأدية عمله، أو دون سن الخامسة عشرة، أو من ذوي الإعاقة. كما كانت الأنثى – مهما بلغ عمرها – مشمولة بهذه الظروف المشددة حتى صدور القانون المعدّل لقانون العقوبات رقم (27 لسنة 2017)، والذي بموجبه لم تعد النساء مشمولات بهذا التشديد، وهو تعديل لم يكن في صالح النساء، ومرّ بهدوء دون أي ضجة أو احتجاج. كما نؤكد على ضرورة عدم الأخذ بالأسباب التقديرية المخففة في جرائم الضرب المفضي إلى الموت في حال وجود تاريخ سابق للعنف.
كذلك، من الظروف المشددة للعقوبة في جرائم القتل القصد ما يتعلّق بصفة المجني عليه/ـا، مثل قتل الفروع للأصول (كأن يقتل الابن أحد والديه). ما نطرحه هنا ليس أن تشديد العقوبة سيمنع الجريمة، بل تأمل في الوزن الثقافي لقانون العقوبات. فإذا كان القانون لا يميز بين جرائم قتل النساء وغيرها، فهذا يعني أن المجتمع أيضًا لن يميز بينها. كما يعني أن القانون لا يعترف بالعنف القائم على النوع الاجتماعي كنوع خاص من العنف، وبالتالي لن يتخذ إجراءات مناسبة لمنعه. وهذا يعكس الفهم الاجتماعي لهذه الجرائم، إذ أن المشرّع في نهاية الأمر هو ابن المجتمع ويحمل ثقافته ويترجمها إلى قوانين.
في هذا السياق، من المهم أيضًا الإشارة إلى أن العقوبة تنقسم إلى قسمين: الحق العام (وهو حق المجتمع تجاه الجاني بسبب خرقه للقانون)، والحق الشخصي (ويملكه ورثة المجني عليه/ـا في حال وفاته/ـا أو فقدانه/ـا للوعي، باستثناء الجاني إذا كان أحد الورثة). وهنا يأتي إسقاط الحق الشخصي، الذي بموجبه تُسقط عقوبة الحق الشخصي عن الجاني. لا يأخذ القانون في الحسبان احتمال تعارض مصالح الورثة مع مصالح الضحية، أو احتمال انسجامها مع مصلحة الجاني، الذي يكون غالبًا أحد أفراد العائلة في حالات قتل النساء. بل قد يكون بعض الورثة قد شاركوا في الجريمة أو حرّضوا عليها، دون أن يظهر ذلك في التحقيق. وهو ما يؤكد على ضرورة تخصيص قوانين وإجراءات خاصة للتعامل مع الجرائم المرتكبة داخل العائلة، والجرائم القائمة على أساس النوع الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، شملت بعض قوانين العفو العام مرتكبي هذه الجرائم ممن تم إسقاط الحق الشخصي عنهم، مثل قانون العفو العام الصادر في عام 2019. بينما استثنى البعض الآخر مرتكبي هذه الجرائم من العفو، مثل قانون العفو العام الصادر عام 2024. وهذا يفرض عبئًا مضاعفًا على المجتمع المدني، الذي عليه الاستمرار في المطالبة بعدم شمول أي عفو عام قادم لمرتكبي جرائم القتل.
في الختام، نشدد على أن جرائم قتل النساء وتعنيفهن ستظل مستمرة بهذه الكثافة إذا لم يتم اتخاذ قرار حاسم لإيقافها وتنفيذه، ليس فقط من خلال تشديد العقوبات، ولكن أيضًا عبر بناء منظومة حماية متينة تستند إلى فهم شامل لطبيعة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على القوانين والإجراءات. علاوة على ذلك، يتطلب الأمر العمل المشترك على معالجة جذور الثقافة الذكورية التي تشجع على ارتكاب هذه الجرائم، وتفكيكها داخل التشريعات والممارسات القانونية.
كما نشير إلى أن معظم هذه الجرائم تحدث في المناطق الأكثر فقرًا، حيث ينتشر العنف المجتمعي بشكل عام، ويضعف التعليم، وتنتشر أنواع رخيصة من المخدرات التي تؤثر على صحة العقل. ورغم أننا نرفض تأطير هذه الجرائم كنتيجة للفقر، إلا أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يظل متأثرًا بالطبقة الاجتماعية لذلك، من الضروري التفكير في عدالة شاملة للوصول إلى حلول فعّالة توقف هذه الجرائم بشكل جذري.