نختبر العالم عبر أجسادنا، جُلُّ ما نختبر من أفكار وأحاسيس ومشاعر تمر إليه وفيه وعبره، تحتفظ جُلودُنا بالزمن على تقلُّباته، علاماتٌ تشير إلى ما عشناه وما لم نعِشه، نختبر بأجسادنا القمعَ والرقابةَ والتقييد، فتطالُ المُراقبةُ أجسادنا كنساءٍ منذ اللّحظات الأولى لوجودنا في هذا العالم، فتكبر الفتيات مع ملاحقةٍ دائمةٍ لقياسات أجسامهنّ وحجمها وتعليقاتٍ تقيّمُ حجم هذه الأجساد لتحديد موقعها ضمن مقاييس الجمال والأنوثة، إلا أن ما يبدأ تصنيفاً للجمال سرعان ما يتحول إلى وصمٍ وكراهية وإقصاءٍ ومحاولاتٍ مستمرّة لتغيير أجسادنا أو إخفاءها، ما يؤثّرُ على علاقاتنا بأنفسنا وبمن حولَنا ومساراتنا في الحياة
في هذا المقال نستكشف هذه التأثيرات مع مجموعةٍ متنوعةٍ من النساء ونحاول فهم مصادر هذه الكراهية والتعيير
الذكريات الأولى التي تكتب علاقتنا مع أجسامنا
تتشكل علاقتنا مع أجسادنا وصورتنا عنها في مرحلة مبكرة من حياتنا متأثرة بتصورات من حولنا عنها، يحدث الوصم لأجسادنا بطرق عدة مثل استغرابها والتعدي على خصوصيتها، ومحاولات إخفاءها أو إظهارها، ووضعها في منافسةٍ تجعل قيمتنا كأفراد مربوطة بها، نسرد في ما يلي بعضاً من الذكريات الأولى التي كتبت فصولاً طويلة من علاقات مجموعة من النساء مع أجسادهن
” أسمع الآن خفقات قلب الطفلة ورغبتها بالاختفاء أمام صورة الميزان وهو يدخل إلى الصف في الفحص الطبي الدوري كل سنة دراسية ، لا يزال هذا الخوف عالقاً في صدري، لا مهرب، أصعد إلى الميزان، وزني أعلى من باقي بنات الصف ب9 كيلوغرامات، تبدأ بعدها حفلة من التنمر والوصم، تقوم بها زميلاتي، لكن لا أحد يتدخل لإيقافها”
“عادة لا يهتم أحد من حولي إلى وزني، لكن في أحد الأيام كنت أعاني ألماً في جسمي، طلبت من أختي (خريجة تخصص طبي) أن تفحصني، استعجبت من شكل رجليّ قالت ” كلهم عضم فش لحم عليهم!” كان يوم الزيارة الأسبوعية لخالاتي لمنزلنا وأصبحت يومها محط أنظارهن جميعاً إذ أصبحن يتوافدن إلى غرفتي لمعاينة رجليّ ورؤية مدى نحافتهما بأنفسهن، في المناسبات والأعراس أتلقى أيضاً مثل هذه التعليقات على نحافة جسمي”
” في مرحلة البلوغ بدأ ثدياي بالنمو، لاحظت أن أمي تريد مني تغطية منطقة صدري لذا كرهتها، أصبحت أحاول تغطيتها أيضاً، في الشتاء كنت أرتدي سترة، الا أن ارتدائي لها استمر حتى بداية أشهر الصيف، خاصةً أن زميلاتي في المدرسة لم تكُن صدورهن قد نَمَتْ بعد، استمر ذلك حتى انتبهت جدتي، أخبرتني بأن صدري لن يذهب إلى مكان، سيظل موجوداً معي بقية حياتي وعلي أن أتأقلم، كان حديثها مفيداً، إلا أن حجم صدري ظل أكبر من من صدور الأخريات ما شكل هاجساً لي في باقي المراحل، كنت أستصعب أن أذهب لشراء حمّالة صدر لذا أوكلت هذه المهمة المؤلمة لأمي، لي ذكرى أخرى أثرت فيّ في طفولتي، هي أن زميلتي في المدرسة قالت أن شكلي يشبه “الثلاجة” بالمريول المدرسي، قالتها يومها أمام مجموعة من الفتيات الأخريات ومن بينهن صديقاتي، ما جعلني أشعر بالعار، فغبت عن المدرسة في الأيام الثلاثة التالية”
” في أيام المدرسة ولبس المريول المدرسي كان هناك للمريول شريط يربط من الوراء وكان هناك مقياس متعارف عليه بيننا كفتيات أن من يمكنها شد هذا الشريط أكثر هي الأكثر نحافة ورشاقة كان هناك فتاتان يمكنهما شده أكثر مني، أصبح طموحي أن أنقص المزيد من الوزن كي لا يكنّ أفضل مني”
عندما تتعرض الفتيات لمثل هذه الممارسات بدعم من البالغين/ات و/أو دون تدخل واضح لإيقافها، فإنها تحفر عميقاً في علاقتنا مع أنفسنا والعالم من حولنا، ما يتطلب منا بعدها مجهوداً أكبر لكسرها، وهي تؤثر وترسم شكل علاقتنا مع أسرنا و عوائلنا
جسمي والعائلة
هناك وجهان لعلاقة أجسامنا مع العائلة، فمن ناحية يوجد تأثير العائلة على نظرتنا لأجسادنا وعلاقتنا معها ومن ناحية تتأثر علاقتنا مع عوائلنا وانخراطنا في الأنشطة العائلية والاجتماعية بحجم التعليقات على أجسادنا ومحاولاتنا لحمايتها ولبناء علاقة أكثر راحة وصحية معها، نسرد في التالي جزءًا من هذه العلاقات بصورتها المتداخلة وبردود أفعالنا المتنوعة والمتغيرة
” عندما تقدمني أمي إلى أحد (تعريفي إلى صديقاتها مثلاً) تبدأ قبل التعريف باسمي أو أي شيء أخر بالإشارة إلى صغر حجمي “حبتها قليلة” تحدثنا أنا وأختي عن ذلك لكننا لم نواجهها، إلا أنه بكل تأكيد انعكس على علاقتي معها فهذا التصرف يعكس كيف تنظر هي إليّ كأنها بحاجة لتقديم تبرير لحجمي قبل حتى أن تقدمني كشخص، فهي تشعر بشكل أو بآخر بالعار تجاهه”
” علاقتي مع والدتي متوترة جداً، فأنا لم أعد أحتمل أي تعليق لها على جسمي، تسألني “كيف رح تعيشي وانتِ ناصحة ” وتستمر بوصم جسدي بقولها “إنتِ مريضة ، النصاحة مرض” تدعي أحياناً اهتمامها بصحتي للضغط لإنقاص وزني لكن زلّات اللسان من وقت إلى آخر تفضح خوفها من عدم زواجي وأنا بهذا الحجم”
” لدي عمة تقتصر علاقتي بها على دعوتي المستمرة ومحاولة إجباري للعب التمارين الرياضية، تريد فرض نظام غذائي وأنشطة بدنيّة عليّ أيضاً بصفتي الأكثر “نصاحة” بين أحفاد العائلة
منذ أيام كانت خالاتي يقُمن بزيارة لنا وكنت أقص شعري، حاولن ثنيي عن ذلك بتعليقات جارحة على شكل جسدي الذي سيزداد ظهوراً وبشاعة عند قص شعري، عندما غضبت لتعليقاتهن، لحقتني خالتي لتأمرني بأن علي ألا أغضب فمن واجب الإنسان أن يكون شكله “مقبولاً” للناس، بسبب هذه التجارب وتجارب مماثلة هذا لم أعد أذهب إلى أي لقاءات عائلية لأن جسدي سيكون هو محور الحديث فيها، لم أعد أحبذ لقاء أي من أقاربي أيضاً أو الحديث معهم “
“علاقتي مع والديّ متوترة فوالدي مستاء من سُمنتي التي ستمنع زواجي وجسدي الذي لن يكون مرناً ليحمل مزيداً من الكيلوجرامات عند الحمل والولادة، أما أمي فما يهمها هو إخفاء جسدي بمزيد من الأقمشة”
تشكل العائلة والمدرسة مؤسستي التدجين الأوليين اللتين تُعلِمَاننا شكل السلطة التي علينا أن نخضع لها في مجتمعاتنا، وبذلك تكوِّنان أيضاً احتكاكنا الأول مع الوصاية المفروضة على أجسادنا.
تبني العائلة بالإضافة لتشكيلها علاقتنا مع أنفسنا جزءاً كبيراً من تصوراتنا عن العلاقات العاطفية والزواج، بدءاً من شعورنا بأحقيتنا بالحب مروراً بتصوراتنا عمّن هم شركائنا وما الذي نقدمه في العلاقات
جسدي والعلاقات العاطفية والزواج
وسط الربط الدائم من قبل من حولنا بين أجسادنا ورغبة الآخر بنا يحضُر سؤال العلاقات العاطفية كسؤال محوري عند الحديث عن حجم الأجساد، فكيف تتأثر علاقاتنا بحجم أجسادنا وكيف تؤثر بها؟
” كنت لسنوات في علاقة سامّة أردت الخروج منها لكن كان إنهاؤها صعباً، عندما أنهيتها ونظرت إليها من الخارج، عرفت أن السبب الذي كان يمنعني من إنهاءها هي حجم جسمي، كنت أفكر من سيحبني إذا أنهيتها، هذا الشخص موجود ويحبني”
” فكرة الحب كلها خارج تفكيري، ببساطة هذا ليس ممكناً، من هنّ مثلي لا يتلقين الحب، أنا أيضاً لي تجربة مشابهة، كنت في بداية علاقة لم أجدها مناسبة لكنني ترددت بإنهائها، فكرت هذا الشخص موجود ومعجب فيّ، من سأُعجِب سواه! ، لكنني أنهيتها لنفس السبب، لم يكن قد رآني، خفت أن يرفضني عندما يراني فأنهيتها، أما عن الزواج فأنا لا أرغب باستقبال خاطبين، أتحجج لأمي بوزني، لكنني قد رأيت تجارب أختي التي تكبرني عمراً، كان الخُطّاب يأتون كثيراً وينسحبون بمجرد رؤيتها مع جملة ” حلوة ما شا الله بس لو تخفف وزن ” “
” أول شيء أفكر فيه عندما يحدث إساءة في العلاقة هو شكل جسمي، هذه تجربة نساء كُثُر أيضاً ويعزّزُها الإعلام، أعتقد أن جزءاً من هذه المشكلة تكمن في الاعتقاد بأنّ ما أقدمه كامرأة في العلاقة هو جسدي وليس شيئاً آخر”
نجد في التجارب المذكورة دوراً أساسياً يلعبه حجم الجسد في بدء العلاقات واستمرارها وتأثيرها على صحتنا النفسية وثقتنا بأنفسنا، ترتبط هذه الفكرة بدور الإعلام أيضاً فهو يقوم بتعريف المرأة الجميلة عبر صور الصحف والمجلات، شكل النساء اللواتي يظهرن على الشاشات، مسابقات ملكات الجمال ومعاييرها، الترويج لعمليات التجميل ودور الإعلام الرقمي في ذلك اليوم عبر تشكيل طبقة “المؤثرات ومدونات الجمال” وأخيراً وربما الأهم، الأفلام وما تقدمه عن النساء وأشكالهنّ وأدوارهنّ في العلاقات، من هي المرأة المحبوبة والمرغوبة ومن هي المرأة المرفوضة ناقصة الأنوثة، نرى هذه التأثيرات واضحةً وجليّة في الحيز الخاص كما قدمت الشهادات فهل يلعب حجم الجسد في الحيز العام دوراً أساسياً في تجاربنا كما هو في الحيز الخاص؟
جسدي ورحلة التعليم
تلعب مؤسسات التعليم دوراً مركزياً في ضبطنا وضبط أجسادنا وتشكيل هوياتنا ورحلتنا في الحياة فكيف تتفاعل هذه المؤسسات مع الأحجام المتنوعة وكيف يمكن أن تؤثر علاقتنا مع حجم أجسادنا على رحلة التعليم؟
” درّستني معلمة كيمياء في أحد الصفوف وكانت تنحاز للطالبات بحسب أشكالهن، كانت تعطي فرص إجابة على السبورة أكثر للطالبات اللواتي يعجبها “كَسمُهنّ” وكانت توزع العلامات الإضافية على هذا الأساس أيضاً”
” في إحدى المحاضرات في الجامعة اختلف الدكتور المحاضر مع طالبة، لا أذكر ما موضع الخلاف بينهما خلال المحاضرة، الطالبة كانت “ناصحة” لكي يتمكن من قلب الموضوع قرر تعييرها وتعييرنا جميعاً بالوزن قائلاً ” انحفن يا صبايا بكرا كيف بدكن تتجوزن وجيزانكن يقبلوا فيكن، وبعدين عشان صحتكن” استفزني كثيراً فاستجمعت شجاعتي وسألته عن وضع صحته مع كونه شخصاً مدخناً، لم أعد لحضور محاضراته من بعدها وكدت أحصل على حرمان”
“أنا ألتزم بحميات غذائية تقريباً منذ كنت في الابتدائي، أغلب هذه الحميات لا تجدي نفعاً لذا في مرحلة ما بعد أن زاد وزني في الثانوية العامة قمت باتباع طريقة ضارة لإنقاص الوزن، تقريباً توقفت عن الأكل تماماً، أثر ذلك على صحتي ونوعية حياتي، فأصبحت أُصاب بالدوار كثيراً وانعدام التركيز، ووصل مخزون الحديد لديّ خلال هذه الفترة إلى ثلاثة، ما أثر بدوره على تحصيلي الدراسي في ذلك الفصل فرسبت بثلاثة مواد”
” أردت الانضمام للكشافة في المدرسة، لكن الطالبات اللواتي كُنّ فيها سابقاً أقنعنني بالعدول عن الفكرة وبأقنعنني أعني أخبرنني بأن جسدي السمين لن يقوى على الحركة التي تتطلبها الكشافة وأشعرنني بأنه لن يكون مرحباً بي”
تفتقر المؤسسات التعليمية لعدسة ترى من خلالها التمييز القائم على أساس الحجم وضد الأشخاص البُدَناء بشكل أكبر وبالتالي فهي أيضاً لا تتخذ أي إجراءات ضدّه، قد يمارس هذا التمييز من قبل زميلات/زملاء أو من قبل مربين ومعلمين، كما قد يستخدم المربّون والمعلمون أسلوب التعيير كطريقة لفرض السيطرة واستبعاد بعض الطالبات اللواتي قد يزعجن سلطتهم/ن
لا يرتبط التمييز على أساس الحجم بسلوكات الأفراد تجاهنا بل بتصميم العالم من حولنا أيضاً
جسمي ومحلات الملابس
النساء في المخيال العام مُحبّات للتسوق وشراء الملابس، يذهبن إلى السوق للمتعة وتفريغ المشاعر الصعبة، لكن ماذا لو كانت رحلة شراء الملابس تملؤنا بمشاعر التوتر والذنب والحزن وعدم الراحة وتحط من تقديرنا لذواتنا؟
“أعاني صعوبةً في إيجاد مقاسي، الحل السحري لدى أصحاب المحلات؛ اذهبي لقسم الأطفال وينظرون إليك باستخفاف، وإذا تمكنت من شراء شيء فعليّ الذهاب إلى الخياط لتضييقه، في مرة ذهبت أنا وصديقتي للتسوق؛ كلانا لم تجد مقاسها، أنا لأن كل القطع أكبر من حجمي، وهي لأن كل القطع أصغر من حجمها؛ اقترحت الموظفة في المحل علي الذهاب لقسم الأطفال وعليها شراء ملابس الحوامل”
” أكثر جملة بسمعها “مقاسك مش عنا” أو يحاولون إقناعي بشراء فستان وأنا لا أريد شراء فستان، أشعر أنه صُمِّمَ لإخفائي وأنا لا أريد أن أختفي، لاحقاً أصبحت أنا أسأل عن المقاسات فور دخولي إلى المحل تجنباً لإضاعة الوقت والجهد النفسي، سعيدة أنه أصبح بإمكاننا التسوق من خارج الأردن، أصبح مقاسي سهل الوصول نسبياً، لكن ما يزال هناك مشكلة عندما تظهر مناسبة غير متوقعة ولا يوجد وقت كافٍ للتسوق الإلكتروني؛ بالنسبة لي أفضّل عدم الذهاب إليها على الذهاب إلى محلات الملابس وخوض هذه الرحلة”
” أعاني لأتمكن من إيجاد بنطال على مقاسي، أشعر أني غوريلا، هذه البناطيل لا تُصنع لي وعلى مقاسي، غالباً عندما أجد مقاسي أخيراً أختار اللون الأسود ليُخفي جسمي”
” مشكلتي مع الملابس هي أن أهلي يريدون أن أرتدي ملابس أكبر من حجمي لتخفي جسمي، ما جعلني أكره جسمي لوقت طويل “
طيلة الوقت تُصمّم الأشياء من حولنا على مقاييس تناسب فئة محدودة من الناس، ليست الملابس وحدها، المقاعد، المساحات المخصصة للفرد في وسائل النقل مثلاً تصمم هي الأخرى على مقاييس تلائم فئة محدودة من الناس، يعاني الأشخاص الأكبر حجماً أكثر من غيرهم خاصة فيما يتعلق في الفضاءات العامة وعادة ما يُنظَر لهم على أنهم يتعدون إلى مساحة غيرهم ويتم تعييرهم على هذا الأساس، تتعاظم المشكلة مع ادعاء أن هذه المقاييس المحدودة تلائم الجميع إذ لا تكون الملابس غير مناسبة لك ولمقاسك يصبح مقاسك هو غير المناسب للملابس، وبالتالي ليس المطلوب من المصممين تغيير المقاسات التي يعملون بها أو إضافة مقاسات جديدة تلائم أحجاماً متنوعة، بل المطلوب من أجسامنا أن تتغير لتتلائم مع المقاسات؛ هذا يدفعنا للتساؤل لماذا خلقت وتحددت هذه المعايير لحجم الأجسام؟
ما وراء هذا التمييز …
لا يوجد سبب واحد يمكننا الوقوف عنده لنقول هذا هو، لهذا السبب أُرغِمنا على كُره أجسامنا وتعرضنا لكل هذا العنف على أساس حجمها، لكننا نفكر بمجموعة من الأسباب:
أسباب اقتصادية:
استحالة أن نندرج جميعاً داخل مدى الأحجام “المقبولة” يجعلنا نفكر أنه كلما قصر هذا المدى، زاد عدد اللواتي يسعين إلى تحقيقه والوصول له، لكن الوصول له يتنافى مع طبيعتنا البشرية فنحن بالأصل متنوعات، حتى على مستوى كثافة العظام وتوزيع الدهون، وعلى السعي للوصول إلى شكل جسم معين هناك اقتصاد كامل قائم من الصالات الرياضية، وخبراء التغذية وصناعات أدوية وخلطات التنحيف وصناعات الأغذية الخالية من السكر والأغذية الملائمة للحميات الغذائية، وعمليات التجميل وصناعة المشدات وحشوات النفخ وغيرها، كل هذا الاقتصاد سيسقط إذا قبلنا تنوع الأحجام وكلما ضاقت المعايير وقلت المدرجات ضمنها كلما زاد حجم السوق
أسباب مرتبطة بالهيمنة الثقافية:
يأخذ الجسد الأوروبي الحيز الأكبر في معيارية أحجام الأجساد حول العالم ما يخلق ربطاً بين كراهية الأجساد المتنوعة والبدينة على وجه الخصوص وكراهية الشعوب الأصلية
من جهة أخرى فقد تغيرت عبر الزمن قيم الجمال في مجتمعاتنا إذ كانت البدانة ترتبط بالثراء وعليه كانت المرأة الجميلة هي المرأة البدينة ومع تغير طبيعة حياة الطبقات البرجوازية والوسطى أصبحت المرأة الثرية هي المرأة التي تلتزم بالصالات الرياضية والحميات الغذائية الصارمة والتي تخضع لعمليات التجميل ونحت الجسد، ما غيَّر من صورة المرأة الجميلة لتتمثّل بالمرأة الرشيقة ومن جهة أخرى ارتبطت البدانة بمحدودي/محدودات الدخل إذ تتضاءل وتكاد تختفي مساحات الحركة وتعتمد الأنظمة الغذائية على النشويات بشكل متزايد لرُخص ثمنها مقارنةً مع المكوّنات الأخرى مع إضفاء الشعور بالشبع وبذلك هيمنت صورة الطبقات الأكثر ثراءً على مفهوم وصورة الجمال
أسباب سلطوية :
تزداد هيمنة أي سلطة عندما تفرض حضورها في الحيز الخاص وتتدخل بعلاقات حميمة بوزن علاقتنا مع أجسادنا؛ فهي حين تحدد الشكل المقبول للجسد والآخر غير المقبول تنزع عنا الملكية لأجسادنا كما أنها تتسلل إلى عقولنا لتزرع داخلنا نظرة متشككة حول أنفسنا ما يبقينا مشغولات بمحاولة الوصول إلى حجم الجسد المثالي حيث تصرف طاقتنا ويسيطر على تفكيرنا الهوس بالكيلوغرامات، كما يستخدم حجم الجسد كأداة قمع من خلال تعييرنا بأحجام أجسادنا عند خروجنا عن السلطة والربط بينه وبين سلوكياتنا في محاولة لنزع أهليتنا ومحورة سلوكنا وأفكارنا حول شكلنا فقط مرة أخرى.
وأخيراً نحن في هذا المقال نقدم محاولة لفتح النقاش حول الكراهية الواقعة على النساء على أساس حجم الجسد، مع وعينا الكامل إلى أنه بما يطرحه من أفكار وتجارب ليس سوى نقطة في محيط الحديث عن هذه القضية لنوجه بذلك دعوةً للنساء وللمجموعات النسويّة الأخرى بالبدء والتوسع في تناول حجم الجسد والدهون كقضية نسويّة في صُلب قضايانا ونضالاتنا من أجل تحرير الجسد ورفض مختلف أشكال العنف والتمييز التي تواجه النساء