الرئيسية 5 الإنتاج المعرفي 5 إلى كل من كتبن الرسائل 

read in English

إلى كل من كتبن الرسائل 

مارس 13, 2025

وصلتني رسائلكن وأشعر بالحب

في اليوم العالمي الزفت، أكتب عن الغضب، ولا شيء غير الغضب.
تموت النساء والأطفال والرجال من حولي كالذباب في خريف جاف مقيت، تقطع فيه الأنفاس وتثقل النسائم ويجفّ الحلق وتختنق الأنوف.

في هذا اليوم، لم تسعفني الكلمات الطيبة لأكتب رسالة أشارك بها النساء، لكنني أحببت رسائلكن جميعًا. قضيت ليلتي أفتح رسالة تلو الأخرى، ربّتت كلماتكُنَّ العفوية والصادقة على روحي حتى هدأت. فأخذتني الذكرى إلى مقولة سمعتها مرارًا: “أنت تحبين النساء… كثيرًا.” بدت هذه الجملة كاتهام خطير حين سمعتها لأول مرّة من شريك قديم يشعر بالغيرة، لكنه اتهام صحيح.

أحببت النساء.
أحببتهن منذ أن تنفّست أول مرة، وتعالت صرخاتي بينهن.
أحببت الجدّات والمسنّات، بأيدٍ مضرّجة بالحناء وضفائر الشيب بارزة من تحت الفُولارة. أحببت تجاعيدهن، كأثر للحياة والحكمة، وعمرٍ من الابتسامات الصافية في وجهي. علّمنني الضحك كحكمة الأولين.
أحببت أمي، عنايتها الفائقة وحبّها غير المشروط، فنجان القهوة بعد العصر وإنصاتها لحكاياتي بلا كلل أو ملل.
أحببت لحظة ولادة أختي، بحجم حبّة فول، كيف جعلتني أعشق الجمال وأمنح القبلات المجانية وأتعلّم الخوف ورجفة القلب الأولى من الحب.
أحببت بنات الحي، أميرة صديقة الطفولة، ونحن نتشارك دراجة بثلاث عجلات والأقلام اللبدية.
أحببت درّة، منافستي في المدرسة. تبكي درّة كثيرًا ومع ذلك سحرت أولاد الفصل بغمازتيها وعينيها اللوزيتين، وقعتُ بدوري في غرام العينين اللوزيتين.

أحببت كل منافساتي في الحياة وحبّ التعلم، أحببت الجميلات والفطنات والشرهات للحياة والشرسات والضاحكات بصوت عالٍ. أحببت قهقهاتهن كقرع الطبول في القبيلة.

أحببت بنات الأعمام والعمّات والأخوال والخالات، نقول “الكوزينات”. أحببت أمل، ونحن نرقص متلحّفات بوسادة، ونأخذ من فرشاة الشعر ميكروفونًا للأغاني.
أحببت رفيقات الجامعة، رفيقات الدرب والروح والداء والوطن. أحببت ريم، كتبتُ لها الرسائل، وكتبتُ عنها في خواطري عشرات المرات ومازلت.
أحببت الكاتبات والشاعرات والمثقفات والمحلّلات والمسيّسات، كلٌّ بطريقتها تبهرني. 

أحببت أمل، ولن أنجح يومًا في كتابة الشعر. تفلت الصور الشعرية من يدي، وتهرب مني، فتلتقطها أمل كما تلتقط طفلةٌ تحبّ صيد الفراشات.

أحببت زميلاتي، رفيقات المكاتب الموحشة، مخفّفات بطش العمل.
أحببت ضيفات بيتي الوفيات، يحفظ بيتي روائحهن. أحببت كل من شاركتني بيجاما وشايًا قبل النوم وفنجان قهوة مع رشة زهر وآلام الحيض وسهر الليالي من الأرق وأوجاع الحب وخيبة الفراق بل الخيبات كلّها.

أحببت النساء لزخمهن وكتاباتهن وشغفهن بالكلمات. يحكنَ بإبرة صوف المشاعر، ويظفرنها بالألوان، فيصنعن الدفء ككنزة ملوّنة في الشتاء.

أحببت النساء وما زلت، أحبّكن.
أضحك من قلبي على نكاتكن في قارعة الطريق، مسافراتٍ في الدنيا عابرات للحدود.
أقابلكن بأحضانٍ واسعة، وأشبهكن بالسحابات التي تمطر في مقلتي.
أرسمكن سحبًا وجبالًا وطيورًا وأشجارًا في خيالي، أستشعر معكن روائح الحياة وطعمها وملمسها، وأسمع أصواتها كقرع الطبول في القبيلة.
أحب النساء، وأشارككن رقصي، بخفة تزيل همًّا أورثته الأعراف البالية.

أحب النساء لهذه الفكرة بالتحديد.
وحدها تكفي.

تلك الرقصة بلا قيود، بلا عيون تنهش، بلا أيادٍ تمتدّ، بلا ق**ب يتصلّب أمام هزّ الأرداف.
تلك الرقصة حيث تدور الأجساد وتتحرّر في دورات متتالية ترفعنا معا عن الأرض، فلا نشعر بأوزاننا سوى بالحب.

هيفاء ذويب،

تونس

 09 مارس 2025

نود مقابلتك شخصيًا أو عبر الإنترنت

انضمي لنا