تقاطعات– أعادت جائحة كورونا في الأردن مسيرة الدفاع والنضال من أجل انتزاع حقوق المرأة ووقف مسلسل العنف اتجاهها، عشرات الخطوات إلى الوراء، هذه الحقيقة التي جاءت في فحوى مداخلات مدافعات وناشطات في مجال حقوق النساء، خلال الجلسة التي أعدتها “تقاطعات” ضمن سلسلة أنشطتها الأخيرة والتي تناولت “واقع النساء والفتيات في الأردن في ظل جائحة كورونا” عنواناً لها.
بدأت المناقشة عبر الإنترنت بمقدمة عن عمل تقاطعات بما في ذلك التقرير الذي أعدته الصحافية غادة الشيخ حول واقع النساء في الأردن في ظل جائحة كورونا، وبينت أنه خلال الحملة تم التسليط على الكثير من الضحايا من نساء أردنيات، لاجئات، وعاملات مهاجرات وغيرهن.
دورة العنف ضد المرأة
في كلمتها خلال الجلسة بينت مديرة مكتب الأردن لمنظمة “بلان الدولية” منى عباس، أن العنف الواقع على الفتيات والنساء في الأردن بدأ مبكر جداً، وقبل كورونا بكثير، وكلها تبدأ من مرحلة مبكرة تتكسر فيها الأجنحة في عمر مبكر جداً ما يؤثر في حياة الفتاة لاحقاً في كل مناحي الحياة ليس فقط في التعليم، وتكافؤ الفرص، واصفة ذلك ب “القهر المبكر” للفتيات والنساء الذي أوصلهن لمفهوم العزلة.
والعزلة تلك كما أضافت منى عباس، كانت محدودة قبل جائحة كورونا، لكن الجائحة كرستها، لافتة أنه في دراسة أعدتها منظمة “بلان الدولية” كشفت أن عزلة الفتيات والنساء تعمقت خصوصاً في فترة حظر التجول، وحرمتهن من الوصول لكثير من قنوات الحماية وحتى التنفيس، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تبين أن نسبة امتلاك الذكور للهواتف الذكية ضعف امتلاك الفتيات والنساء لها.
ناهيك عن الرقابة والقيود التي مورست على الفتيات في تلك المرحلة فيما يردن التعبير عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى حرمان الفتيات اللواتي لا تملكن هواتف ذكية من حق الحصول على المعلومات، فضلاً عن ارتفاع نسبة التحرش الإلكتروني بحق الفتيات والنساء خلال فترة الحظر، وحتى ارتفاع نسبة التنمر بحقهن، كل ذلك أدى إلى تعزيز واستمرار مسلسل القهر الواقع على الفتيات والنساء في الأردن.
آليات الحماية في الأزمات
وأكدت مديرة البرامج في جمعية “النساء العربيات” في الأردن ليلى نفاع خلال كلمتها في الجلسة، على أن كوادر الدعم النفسي التابعة للجمعية استنفذت طاقتها خلال فترة الإغلاقات لمساندة الناجيات من العنف الأسري من النساء خلال فترة حظر التجول، مشيرة إلى أن المنظمات النسائية في الأردن انقطع عنها التواصل مع المسؤولين خلال تلك الفترة، ولم وما تزال هناك صلة حية بالمعنى الحقيقي حتى الآن بين تلك المنظمات والجهات الرسمية لتقديم الحماية للناجيات العنف الأسري ووضع آليات ثابتة في كل الظروف بما فيها ظروف الطوارئ للوصول للنساء المعنفات.
وتطرقت نفاع إلى محور الصحة الإنجابية خلال الجائحة، وتحديداً فترة الحظر، حيث طالبت المنظمات النسوية بفتح المراكز الصحية التي توزع الفوط النسائية، ولم يتم تحقيق هذا المطلب، في المقابل تم تحقيق مطلب دعوات فتح المراكز الصحية التي تقدم مطاعيم للأطفال، وقالت: “الأمر الذي يكشف أيضاً أن غياب العنصر النسائي في إدارة الأزمة التي شكلتها الحكومة ساهم في حرمان النساء من أهم حقوقهن خلال فترة حظر التجول“.
فضلاً عن العنف الاقتصادي الذي وقع على النساء العاملات في القطاع غير المنظم كالمزارعات خلال فترة الحظر كما أضافت ليلى نفاع، حيث تشكل النساء م نسبته 48% ممن يعملون في القطاع غير المنظم، حيث غابت عنهن كل أشكال المعونة أثناء فترة الحظر، ولم توفر لهن الحماية ومساعدات حتى تكون لديهن القدرة للانضمام لمؤسسة الضمان الاجتماعي.
اتساع الفجوة بين الجنسين
استعرضت مديرة مشاريع الشباب وكسب التأييد للمرأة في هيئة الأمم المتحدة سوسان الحلو في كلمتها أرقام كشفت تراجع واقع حقوق النساء في الأردن، حيث احتل الأردن المرتبة 138 من 153 دولة في المؤشر العالمي في الفجوة بين الجنسين في العام 2020، وكان هناك تراجع واضح للحضور النسائي في مجلس النواب حيث وصل عددهن 15 وضمن فئة الكوتا فقط، إضافة إلى تراجع الحضور النسوي في الحكومة الجديدة وفي مجلس الأعيان.
وطرأ شكل جديد من أشكال الفجوة بين الجنسين بحسب سوسان الحلو ظهر خلال الجائحة وهو الفجوة التكنولوجية بحيث يستحوذ الذكور على النسبة الأعلى من امتلاك الهواتف الذكية والدخول على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، وفي تقييم أجرته الأمم المتحدة تبين أن 62% من النساء في الأردن يشعرن بخطر متزايد من ارتفاع العنف الجسدي والنفسي بسبب انعدام الأمن الغذائي خلال الجائحة.
فيما تحدثت الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان غادة الشيخ عن أبرز القيود التي واجهتها في إعداد تقرير “تقاطعات” حول واقع النساء في الأردن خلال الجائحة، أهمها حجب المعلومات التي تتعلق بنسب العنف الذي وضع على النساء خلال فترة حظر التجول، وعدد الشكاوى التي وصلت إدارة حماية الأسرة، فضلاً عن أشكال أخرى من التقييد التي طالت كل وسائل الإعلام مثل قرار منع النشر في جريمة قتل أخ لشقيقته التي تبلغ من العمر 14 عاماً بسبب إنشائها حساب على موقع “الفيسبوك” في فترة الحظر.
وبينت أن الأرقام التي ظهرت في تقارير منظمات نسوية في الأردن، كشفت عن حالة مرعبة تتعلق بالعنف الأسري بحق الفتيات والنساء، حيث وبحسب أرقام جمعية “معهد تضامن للنساء” بينت أن أكثر من 800 حالة عنف أسري حدثت في فترة شهرين فقط وهي فترة الحظر بحق نساء، مقابل حوالي 620 عنف تحدث في العام الكامل، معتبرة أن هذه ليست أرقام مطلقة فما تزال هناك ثقافة الخوف من البوح من نساء يتعرضن للعنف.
من أين نبدأ؟
اختتمت المناقشة عبر الإنترنت مع المتحدثات اللواتي أعربن عن الحاجة إلى تشكيل قوة نسوية قادرة على الضغط على صانعي القرار للنظر في الاحتياجات الخاصة للمرأة أثناء الجائحة وعرض مخاوفهم التي تم التغاضي عنها في الغالب على الطاولة.
ولتحقيق ذلك ، سلطت السيدة منى عباس الضوء على ضرورة التنسيق بين المؤسسات النسوية في الأردن لتشكيل كتلة مؤثرة مدافعة عن حقوق النساء، ووضع الأجندة النسوية على طاولة صانع القرار، إضافة إلى رفق سقف القضايا التي بحاجة للدافع عنها والمتعلقة بحقوق النساء في الأردن، بحيث نكون جريئين في طرح كل الزوايا التي بحاجة إلى معالجتها.
وشددت السيدة غادة الشيخ على ضرورة بذل الجهود لضمان حماية النساء والفتيات بطريقة فعالة وعملية.
بينما شجعت السيدة ليلى نفاع على التعلم من تأثير الوباء على النساء من أجل تطوير مناهج حديثة لتقديم الدعم والحماية للنساء والفتيات اللواتي يقعن ضحايا للعنف ، ربما من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية.